إذا كان أسلوب قيادة السيارة في شوارعنا يعكس بدرجة أو بأخرى وجود مشكلة سلوكية مقلقة لدى البعض، فإن بعض السلوكيات السلبية المنتشرة على شبكات تواصلنا الاجتماعية تعتبر بالمثل مؤشرًا يدعو للتساؤل والاستغراب، ومن ضمن تلك السلوكيات ظاهرة الشماتة والفرح بتعثُّر الآخرين وسقوطهم، أو حتى مصابهم وكوارثهم. وتزداد تلك الشماتة حدّة وكثافة بازدياد شعبية المتعثِّر، وكونه شخصية عامّة أنعم الله عليها بمنصب أو جاه، أو ثراء، أو موهبة.
المضحك المبكي أن سهام أولئك الشامتين -الحاسدين أو الحاقدين- تجاوزت كل ذلك في حالاتٍ مضت، حتى أننا رأيناها تصف بدون علم هذه الكارثة الطبيعية أو تلك بأنها غضب من الله، وعقاب حلَّ بمَن أصابته لذنب أو خطيئة ارتكبها. الملاحظ أيضًا أن بعض وسائل الإعلام التقليدي من صحف وقنوات أصابتها حمّى مطاردة وسائل الإعلام الجديد، بشكل أنساها أن لتلك الوسائل سماتها الخاصة، التي قد يُؤدّي استنساخها وتقليدها إلى إضاعة الصحيفة، أو القناة لـ»مشيتها» وتأثُّر رزانتها ومصداقيتها، حيث نرى بعضًا منها وقد أصبحت تشارك بحماس في حفلات الشماتة والإثارة والتهويل، بدلاً من النقل المهني الرزين، والتحليل المتّزن المبني على الحقائق والوقائع.
صحيح أن أسلوب الشماتة «Gloating» ليس حكرًا على وسائل إعلام دون غيرها، حيث إننا نراه أيضًا على وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الغربية، خاصة في تغطياتها للانتخابات الرئاسية والنيابية، وفي أعقاب فوز مرشح وخسارة آخر. غير أن هذا لا يمكن اعتباره مبررًا وعذرًا لدرجة الشماتة والتشفِّي المنتشرة بشكل يدعو للغثيان على شبكات تواصلنا الاجتماعية، والتي انتقلت عدواها إلى بعض وسائل إعلامنا التقليدي، مُتجاهلين أن الشماتة والتشفِّي بمصاب الآخرين، ليست من صفات المسلم الحقيقي، وأنها ممّا نَهَى عنه ديننا الحنيف، فقال تعالى: (إنَّمَا المؤمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنَّه مَن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتّى يفضحه في بيته). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك).
ولم يخلُ شعر العرب من انتقاصهم وذمِّهم للشماتة، فقيل عنها ممّا قيل:
كلُّ المَصَائِبِ قَدْ تَمرُّ عَلَى الفَتَى
فَتَهونُ غَيرَ شماتَةِ الحُسَّادِ
وقال الشاعر محذِّرًا الشامتين:
إذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ
حَوَادِثَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا
فقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا
سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
الشماتة ليست من المروءة والأخلاق، أعاذنا الله وإيّاكم منها.
الشماتة ليست من المروءة!
تاريخ النشر: 23 سبتمبر 2015 00:04 KSA
إذا كان أسلوب قيادة السيارة في شوارعنا يعكس بدرجة أو بأخرى وجود مشكلة سلوكية مقلقة لدى البعض، فإن بعض السلوكيات السلبية المنتشرة على شبكات تواصلنا الاجتماعية تعتبر بالمثل مؤشرًا يدعو للتساؤل والاستغرا
A A