Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التسلط وتداعياته «١»

يذكر د.

A A
يذكر د. مصطفى حجازي في كتابه «التخلّف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» أن التسلّط يسبّب الاضطراب والتوتر الداخلي للمتسلط عليه حتى يحيله إلى الدفاع عن ذاته مسلوبة الكرامة، بعدد من الأساليب الدفاعية، منها الانكفاء على الذات، أو الهروب من المشكلة إلى الباطن، ومنها التماهي مع المتسلّط، أو الهروب نحو المشكلة، ومنها العنف.. ومن أمثلة الانكفاء على النفس الهروب الى الشعوذة والخيال والكرامات، وفي هذا وهم على السيطرة على ما هو خارج نطاق تحكم ضحية التسلط. سأركز في هذه السطور المعدودة على الانكفاء على الذات، والهروب من المشكلة إلى الباطن، وأترك الحديث عن العنف والتماهي مع المتسلّط لمقال قادم. من تداعيات التقوقع إلى الذات الداخلية التمسك بالتقاليد، والرجوع إلى ماضٍ تحتجز شخصياته الفريدة نفس وعقل المنكفئ على ذاته، يعزز هنا المتسلطون سطوتهم عبر آيات وأحاديث تعزز من مركزهم، ويتركون الكثير ممّا يعنى بكرامة الإنسان، كما يقول المؤلّف، فتصبح محاولات أي إنسان للنهوض بنفسه بدعة. ينظر هنا إلى التقاليد بأنها القانون الطبيعي، وتحمي الإنسان من مشاعر الْخِزْي الذاتي، والمهانة التي تصف حاله ومكانه المجتمعي، فهي مصدر للقبول ممّن حوله.. أمّا النزوح إلى الماضي فغالبًا ما يتخلله تزيين لهذا الماضي، وإقالة لعثرات شخصياته، فتسدل عليه -هذا الماضي- طابع الأسطورة، ويوصف من فيه بالأبطال الخارقين للعادة، والأقوياء تحت كل الظروف. أمّا الحاضر فهو الخائن للذات، والذي لا يجب الوقوف عنده، أمّا المستقبل فلا يؤخذ بعين الاعتبار، ويستمر تضخيم الشخصيات حتى لا يرى الإنسان بُدًّا إلى التغيير سوى خروج مثل هذه النوعيات الخارقة من البشر لإنقاذ الشعوب، ويؤدّي هذا الخلل إلى تمجيد القيادة حتى يظهر أن القائد تعروه بعض من نقائص البشر على الأقل، ويقع الشعب أسير الأسطورة في إحباط لعدم خروج أبطال ابتدعتهم أمانيهم، ولا يمتون إلى الواقع بصلة. فيخرج الشعب ضد «البطل» الذي فشل. ويضطر الأخير في غالب الأحيان إلى القمع للحفاظ على عرشه، أو مكانته التي حازها لوهم الشعب، ويعاود الاستبداد دائرته. ومن آثار التقوقع الذوبان في جماعة، والدخول معها في علاقة دمجية، ليستعيض الإنسان من واقع عجزه الفردي بالاحتماء إليها، وبقدر عظمة التهديد يزدان دور الجماعة. العلة هنا هو إسقاط الجماعة لكل ما هو عار خارجها، والإصرار على إعطاء القيمة للجماعة الداخلية، وتبخيس الآخرين. فترتفع النرجسية داخلها، وقيمة الفرد المنهزم في خارجها، والمعتز بانتمائه لها. لا أرى في رأيي خروجًا من هذا المأزق البنيوي الداخلي سوى ترويض العقل على منطق الطبيعة النسبية للأشياء، وجدليتها ليرى الواقع خارج المأزق، ويتفاعل معه كيفما دعت ضرورة التطوير، لا ما يسير الإنسان من خزي، وعار، ووجع داخلي يلبسه دومًا دور الضحية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store