Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

نتنياهو المعادي للسامية.. عندما تبلغ الضغينة سقفها

أتساءل لو أن أيّ شخص، كيفما كان، برَّأ هتلر من جرائم الهولوكوست، كيف سيكون حاله إعلاميًّا ومصيره في ظل هيمنة إعلامية أحادية بلا مثيل؟ وكيف كان سيحرق على كل المستويات سياسيًّا وثقافيًّا.

A A
أتساءل لو أن أيّ شخص، كيفما كان، برَّأ هتلر من جرائم الهولوكوست، كيف سيكون حاله إعلاميًّا ومصيره في ظل هيمنة إعلامية أحادية بلا مثيل؟ وكيف كان سيحرق على كل المستويات سياسيًّا وثقافيًّا. إلى اليوم، مهما كانت المواقف متباينة حول الهولوكوست، حول عدد الضحايا، والمحتشدات، وطرق ارتكاب الجريمة، إلاَّ أنه لا أحد برّأ هتلر من جرائمه. فقد ظهر نتنياهو على شاشة التليفزيون وهو يشتم ذاكرة شعبه، وينزل عقلية هتلر إلى مستوى عقله، ونعرف جيدًا إيمان هتلر بما كان يفعله، لدرجة أن النازية أحلّت دم كلّ مَن يناقضها. كيف للحسيني أن يقول ما قاله نتنياهو على لسانه، بحرق اليهود، وكيف لهتلر أن يقبل بهذه السهولة؟ الحسيني رجل يدافع عن أرضه، وشعبه بمنطق عدو عدوي صديقي، وعدّوه لم يكن مطلقًا الشعب اليهودي، بقدر ما كانت الصهيونية التي كانت وراء مأساته. لم يكن للحسيني موقف من اليهودية كديانة، ولكن موقفه كان ضد الاحتلال، والظلم، والوكالة اليهودية التي كانت تسرق الأرض الفلسطينية بمختلف السبل، وضد الخيانة البريطانية التي سلّمت فلسطين للهاجانا، وشتيرن، وخرجت بعد أن درّبت ضباط الجيش الإسرائيلي. من يعرف الحد الأدنى من التاريخ سيُدرك بلا أيّ جهد كبير أن الحسيني عندما التقى مع هتلر، كان كل شيء قد ترتّب نهائيًّا من المسألة اليهودية، قبل سنتين. الحرب الإعلامية مشروعة تاريخيًّا، بمعنى أنها تُصاحب الأزمات والحروب، لكن أن يُصاب المرء بكل هذا القدر من العمى، فهذا يجعل الأمر شديد الغرابة، لأن فيه شتيمة معلنة لذاكرة يهودية وإنسانية أيضًا تكاد تكون مقدّسة، لأنها تمس بشرًا قُتلوا وأُبيدوا فقط لأنهم كانوا كذلك. فموقف نتنياهو يكاد يكون حالة مرضية قصوى، وليس انزلاقًا عاديًّا كما تُصوّره الصحافة الغربية. فهو نمط من التفكير، ونظام يستعمل كل ما يجده أمامه للمزيد من عزل الشعب الفلسطيني، وتصويره في هيئة الحاقد على اليهودي. بهذا العقل البدائي سياسيًّا يمكن لنتنياهو أن يذهب بعيدًا، فيركّب وثيقة فيها صوت الحسيني، يتحدّث فيها الحديث الذي أراده نتنياهو. مشكلته أنه ليس الأوحد مَن يُقرِّر. هناك ضمير جمعي وقف ضد بؤسه حتى من حزبه، ومحيطه المجتمعي. هناك حالة عمى لتصوير الفلسطينيين كمُعادين عرقيًّا ودينيًّا وتاريخيًّا لليهود، وليس للصهيونية. وهي حالة من ردّة الفعل اليائسة التي لا يمكن تخيّلها؛ لأنّها أوصلت الفعل السياسي العدواني إلى السقف والمنتهى. يحتاج المرء إلى قدر من الغباء السياسي ليُفكِّر بهذا الشكل؛ لدرجة اتّهام الفلسطينيين بالإرهاب، وبإرهاب السكاكين، وأنّه مُجنَّد لمحاربة الآفة دوليًّا، ونعرف جيدًا كيف أن إسرائيل اليوم من أكبر الدول المشجعة للإرهاب وممارسيه. فقد تواطأت -وما تزال- مع الحركات الإسلامية المتطرّفة المضادة، التي غدرت العراق، وسوريا، وتنهك مصر، ودولاً أخرى، والتي تجد ضالّتها وسندها كلها في نتنياهو. وكل هذا لتبرير جرائمه ضد شعب لا يملك سوى جسده للمقاومة، بعد أن فقد أي أمل في حل الدولتين، كما نصت على ذلك القوانين الدولية، واتفاقيات أوسلو.
السلام يقتضي وجود مقتنعين به، ونتنياهو آخر هؤلاء. فقد شن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني وما يزال. أتساءل ما هي الأضحوكة القادمة السياسية التي سيُفاجئنا بها نتنياهو بعد أن برّأ هتلر من الهولوكوست وألصقها بالحسيني؟ ننتظر. فهو يملك ألعابًا كثيرة لم يُخرجها بعد. المسألة طبعًا جدية، وتمس الضمير الإنساني، لهذا وكمواطن إنساني أُطالب الهيئات الدولية بمعاقبة نتنياهو على موقفه المعادي للسامية وتجريمه. ننتظر منه أيضًا أن يُنوّرنا إلى مَن هَمَس في أُذن هتلر لإبادة الغجر الذين لم يعرف الشيخ الحسيني لا شكلهم، ولا أصلهم، ولا حتى قوميتهم. ومن أوحى له أيضًا بمحاصرة ستالينغراد التي تسببت في مأساة إنسانية، فهل هو الحسيني أيضًا؟
الحقد والضغينة والبؤس السياسي؛ يمكن أن يدفعوا نتنياهو إلى أكثر من ذلك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store