Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التسلط وتداعياته «٣»

يذكر د.

A A
يذكر د. مصطفى حجازي في كتابه «التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» أن التماهي مع المتسلط يساهم في علاج المأزق الوجودي للإنسان المقهور، فبه يتنصل الإنسان من الجماعة ويتنكر للانتماء إليها فيهرب من عالمه إلى عالم المتسلط لغرض التخلص من ألم الدونية الداخلي.
هنا يتشبه الإنسان بالمتسلط ويحاكيه حتى درجة الانخراط الكلي معه حتى يصبح هو -هذا الآخر- فيسقط «المتسلط عليه» أشد أنواع الإطراء ويحاكي المتسلط ويتفاعل مع إسقاطه هذا ويجتاف الخصائص لنفسه ليعزز من قدرها المنحط وفي هذا الإسقاط الكثير من المبالغة.
فتماهي الإنسان مع مصدر الخطر كالطفل الذي يمثل دور الشبح أو الذئب الذي يخيفه ليرعب الآخرين ويخرج من توتر الضحية إلى مصدر الرعب ذاته.
أرى في هذه الميكانيكية التي رواها مؤلف الكتاب أعلاه تفسيرًا لصعود المجرمين إلى الحكم بعد خروج المستعمر في عدد من الدول.
لأن المجرم يسقط عليه قومه خصائص الخوف المنطلي بالمحبة -التي كانت للمستعمر- ما يزع المجرم إلى الزيادة في ظلمه بطريقة ينافس بها المستعمر الغائب.
تبدأ هذه الحلقة بالنزعة التملكية لدى الإنسان، والتي تدفعه نحو الغزو والتحكم في خيرات الآخرين وبخسهم، وهذا يسلب من الآخرين كرامتهم ويصيبهم بالألم ما يدفعهم إلى التماهي مع الظالم واتباع أثره في السلوك بعد رحيله، فمن مستعمر إلى ديكتاتور بعد آخر، إذ لا يخضع الشعب إلا لمن يستطيع أن يكون صورة شبيهة بالمتماهي معه سالفًا، ويستمر هذا الأمر حتى تستحيل الديموقراطية في الدول المتخلفة لأن الشعب سيواجه آلام خزيه دون المتسلط ويوقع على سواه عداء هذا التوتر ويثور.
إن المازوشية الاجتماعية هذه تخلط محبة الديكتاتور بالخوف منه وتمنع الضحايا من الرضا بمن يساويهم بنفسه، وإن في معرفة الأسباب مفتاح الخروج من الأزمة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store