عرضنا في مقال الأسبوع الماضي الشبه الكبير بين الإجراءات التي اتّخذتها منظمة (أوبك) منذ خمسة عشر عامًا، وبين ما اتّخذته اليوم، فكان ما رأيناه مشهدًا سينمائيًّا واحدًا تكرَّر بتفاصيله. وكأنّه بعد مرور عقد ونصف من الزمان لم تتغيّر أسواق العالم، أو يتغيَّر الذين دخلوا ليستثمروا فيها، أو لم تتقدّم التقانة، أو لم يُنافس نفطها النفط الصخري الذي لم يكن أحد يظن قدرته على منافسة الخام التقليدي، أو أن أكبر دولة مستهلكة ومستوردة للطاقة أصبح لديها اليوم إمكان التصدير للنفط، والمنافسة.
هذه هي بعض معطيات اليوم التي أصبحت مُؤثِّرة جدًّا على نفط (أوبك)، وعلى مقدرتها حتى تظلّ بذات التأثير السابق أو قريبًا منه، بعد أن فقدت ما يقرب من ثلث حصتها في السوق. المشكلة الكبرى في المنظمة هي أن بعض أعضائها ما يزال يعتقد، بل وعنده قناعة كبيرة بأن السياسة يجب أن تكون هي المحرّك الأوّل للمنظمة وقائدها بلا منازع. وهذا القول كان صحيحًا ومقبولاً في يوم من الأيام، عندما كانت المنظمة تخطو خطواتها الأولى. لقد كان ذلك في عصر استقلال الدول من الاستعمار، وعهد التحرر من قبضة استغلال شركات النفط الكبرى (وبالأخص الأخوات السبع)، وهيمنتها على صناعة النفط وتسعيره وأسواقه.
لقد كان ذلك هو الدافع لإنشاء (أوبك)، فاستطاعت -بلا شك- أن تُحقِّق الكثير للدول الأعضاء فيها. كما أنها ساهمت في استقرار وتنظيم عرض النفط وطلبه، وكذلك في وضوح العلاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة له، رغم اختلاف الأولويات ووجهات النظر. ولكن دافع وجود المنظمة لا يمكن أن يظل كما هو بعد خمسة وخمسين عامًا من ولادتها. لقد تغيّرت المعطيات بشكل درامي وأصبحت الأسواق مفتوحة، ودخل المستثمرون الذين لم يكونوا يهتمّون بالنفط فيها، وأصبحت محافظهم الاستثمارية تنتقل من سوق لأخرى بسرعة الضغط على مفتاح.
في عصر هيمنة الاقتصاد هذا، وبعنفوانه، وحيويته على السياسة بصورة لا تخطؤها العين، وبرغم أن في المنظمة من الخبراء الاقتصاديين الذين يعرفون الحلول الكفيلة بعودة منظمتهم إلى فاعليتها وتأثيرها، إلاّ أن ما في الأذهان من تأثير السياسة على الاقتصاد بات راسخًا وقويًا لدى كثيرين. لذا نرى كثيرًا من أعضاء المنظمة يبالغ في أهمية دور السياسة في حسابات وقرارات منظمته، مع أن وضع الأسواق والتقانة والاقتصاد العالمي يعارض ذلك التصوّر.
هنا تكمن مشكلة (أوبك). فالذهنية التي تتمسك بالنهج و»البرستيج» الحكومي، لا تستطيع، بل لا تقبل أن تغمس يديها في تلك المادة السوداء اللزجة، وتطوف بها أقاصي الكرة الأرضية، لكي تنتزع حصة لبلدها من أفواه الأسود الشرسة في السوق. ولا تقتصر طريقة (أوبك) الحالية من أجل المحافظة على حصتها في السوق على أعضاء المنظمة فقط، بل حتى بعض المنافسين لها مثل روسيا التي تهدر ملايين البراميل يوميًّا من أجل ذلك. إنها خسارة كبيرة للدول وشعوبها اليوم، ولأجيالها القادمة. فلا بد من تغيير نمط التفكير، وإستراتيجيات اللعبة، والبدء بمجهود جديد، وفكر اقتصادي احترافي مبدع.
أوبك وارتداء عباءة الزمن
تاريخ النشر: 31 يناير 2016 01:17 KSA
عرضنا في مقال الأسبوع الماضي الشبه الكبير بين الإجراءات التي اتّخذتها منظمة (أوبك) منذ خمسة عشر عامًا، وبين ما اتّخذته اليوم، فكان ما رأيناه مشهدًا سينمائيًّا واحدًا تكرَّر بتفاصيله.
A A