تتجه وزارة الإسكان إلى توزيع أراضٍ غير مطورة بدلًا من خطتها السابقة القاضية بتطوير الأراضي ومن ثم منحها للمستفيدين ضمن منتجاتها لحل أزمة السكن، وتباينت آراء المختصين حول هذه الخطوة، مشيرين إلى أن الوزارة تعود بهذا القرار إلى آليات وإستراتيجات وزارة الشؤون البلدية وستساعد على احتكار العقاريين لتلك الأراضي، واستمرار رفع أسعارها.
بينما كشف مصدر مطلع بوزارة الإسكان أن الوزارة لم تغير خطتها في تسليم الأراضي المطورة للمواطنين، بل أجلت بعض العناصر والأعمال في تلك المشروعات، مشيرًا إلى أن الوزارة مستمرة في توزيع أراضٍ مطورة للمواطنين وجميع الأراضي التي ستسلم للمواطنين ستكون مطورة، ولكن هناك بعض العناصر التي قد تتلف مع الزمن كألعاب الأطفال والأشجار والحدائق والأرصفة وشبكات الري الفرعية وشبكات الاتصالات وسفلتة الطبقة النهائية وشبكات وأعمدة الإنارة وهذه العناصر لا تؤثر إطلاقًا على الحي السكني. وفضلت الوزارة تأجيلها دون إلغائها، وليس هناك أي اشكالية من التأجيل بل للحفاظ عليها من التلف، وهذه العناصر في الأصل ثانوية وليست أساسية، ولكن ما زالت الأراضي مطورة تحوي البنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتصريف السيول.
«المدينة» تواصلت مع المتحدث الرسمي لوزارة الإسكان محمد الدغيلبي وطلب إرسال الاستفسارات على البريد الإلكتروني ووعد بالتجاوب وإرسال الرد ولكنه لم يرد على الاتصالات المتكررة.
الأحمري: الأراضي غير المطورة يعيدنا لـ 40 عامًا مضت المتحولة لمضاربات عقارية
تحدث عبدالله الأحمري رئيس لجنة التثمين العقاري بالغرفة التجارية الصناعية بجدة: ليس من المنطق ان تعيد وزارة الإسكان تسليم المواطنين أراضي غير مطورة والعودة إلى٤٠ عامًا مضت حين سلمت وزارة الشؤون البلدية والقروية المواطنين أراضي خارج النطاق العمراني ولم يستفيدوا منها بل أصبحت منطقة مضاربات حتى عادت في أحضان العقاريين الذين عطشوا السوق وارتفعت أسعار الأراضي وليس فيها أي خدمات.
وأضاف الأحمري: كنا في الماضي نلتمس للوزارة العذر لأنها تسلمت أراضي من البلديات بعيدة جدًا عن النطاق العمراني ولكن إذا تسلمت الوزارة المبالغ المحصلة من الأراضي البيضاء ليس من المعقول أن يسكن المواطنون في منطقة تبعد عن المدينة أكثر من ٥٠ كلم، وليس فيها خدمات ولا بنى تحتية ولا مدارس او مستشفيات، ولا يجب ان يستلم المواطن أرضًا ويقوم بتطويرها، مشيرًا إلى أن الوزارة صرف لها من السابق ٢٥٠ مليار ريال، وهي في حوزتها ناهيك عما ستحصله والذي يقدر بحوالى ٢٠٠ مليار ريال، مبينا أن المواطنين المستحقين للسكن يتجاوزون مليونًا وستمائة ألف وليست الإحصائية التي أعلنت عنها الوزارة المقدرة بحوالى ٧٦٠ ألفًا، واستبعدت المواطنين الساكنين في منازل رثة واستبعدت من لديه تيار كهربائي باسمه بعد الربط الالكتروني مع الكهرباء ووزارة العدل.
الجليدي: لابد أن لا تقل مساحة الوحدة السكنية عن 400 متر مربع
أوضح الخبير في التنمية والعمران والكاتب الصحفي المهندس ندا بن عامر الجليدي انه بعد أن تتحدد معالم المجموعة السكنية وصورتها التي تتجمع لتكون كيان الخلية السكنية في صورتها العلمية وتصبح جزءًا من المدينة، والخلية السكنية كذلك لن تستكمل صورتها الحية في ثقافتنا السعودية إلا إذا كانت المساحة لا تقل عن 400 متر والا تزيد عن 800 متر وهذا يجعل المتوسط بينهما يقترب من 600 متر، وهذا المعدل تخطيطيًا يتناسب مع عدد أفراد الأسرة السعودية ففي الماضي كان معدل الأسرة السعودية يتعدى 10 أشخاص وبمساحات تتعدى 900 متر، ولكن هذا الرقم قل لأننا أصبحنا مجتمع يرتبط بالدرجة الأولى بمقر عمله.
وقال الجليدي: أساس المشكلة يتلخص في وجود زيادة مستمرة في عدد السكان، ومعدل هذه الزيادة يزداد من سنة إلى أخرى، ولكن يلاحظ أن معدل الزيادة بالنسبة لسكان المدن بالسعودية يبلغ أربعة أضعاف - إن لم يكن أكثر- معدل الزيادة عن المعدل الطبيعي في العالم ولما كانت التكاليف - سواء في حالة تطوير هذه الأراضي عن طريق وزارة السكان أو القطاع الخاص- تبنى على أساس الوحدة السكنية فيجب أن تبنى هذه الوحدة على أصغر نطاق لها، ولن يتحدد إلا بعد رسم الحد الأدنى لمستلزمات المعيشة بالنسبة للفرد والأسرة السعودية داخل حدود الوحدة السكنية، ومصادر التمويل من وجه نظري أن تستمد من وزارة السكان بالنسبة لـ500 ألف وحدة سكنية المرصود لها ميزانيات وبعد ذلك يتم متابعة مشروعات الإسكان عن طريق القطاع الخاص.
وقال الجليدي: عندما يتم تسليم هذه الأراضي كما هي فقط مقسمة وليست مطورة فهذا لا يكلف الوزارة ريالًا واحدًا وإنما هي أراضي المنح التي سلمت لهم وتم توزيعها، أما اذا تم تسليم هذه الأراضي وهي مطورة فأتوقع أـن ما نسبته 80% من ميزانية الوزارة تم توفيرها وتنخفض هذه النسبة إلى 40% عند تسليمه للمستفيد كوحدة سكنية جاهزة، متوقعًا أن يتم التوجه للمدن المتوسطة والصغيرة ويتم الابتعاد عن 6 مدن وهي الرياض الدمام وجدة ومكة والمدينة والخبر لارتفاع الأسعار بها.
العثمان: القرار أحد علامات الضبابية وغياب لرؤية الوزارة
قال المهندس خالد بن عبدالرحمن العثمان عضو اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية، القرار أحد علامات الضبابية وغياب الرؤية لدى الوزارة، بل وفوق ذلك غياب الفهم العميق للجذور التاريخية للمشكلة، مشيرًا إلى أن منح الأراضي غير المطورة كانت موجودة سابقًا ويجري تخصيصها ومنحها، ولم تجدِ نفعًا للمواطنين بسبب عدم جاهزيتها للبناء والسكن في ظل غياب الخدمات والبنية التحتية، وبالتالي فإن ما كان يحصل في الماضي هو أن تلك المنح أصبحت تباع وتتداول بمركبات من الربحية التي أدت لتضخم وارتفاع أسعار الأراضي بعد تحولها إلى سلع للتداول، والمضحك أن تتحدث الوزارة، عن زيادة مساحة الأرض الممنوحة بدون تطوير إلى 600 متر مربع مقارنة بمساحة الأرض المطورة البالغة 400 متر مربع، وهو ما يبدو أنه ضحك على المواطن وترضيته بمساحة إضافية مع أن هذه الأرض غير مجدية أساسًا بغض النظر عن مساحتها. وقال العثمان: إذا كانت الوزارة قد جنحت إلى هذا التوجه نتيجة لنقص مواردها المالية وعدم قدرتها على تمويل أعمال تطوير الأراضي الموجودة بحوزتها فالأجدر بها أن تعمد إلى فتح أبواب الشراكة مع القطاع الخاص لتطوير هذه الأراضي والبناء عليها مباشرة لتسليم الوزارة وحدات سكانية جاهزة لتوزيعها على المواطنين المستحقين للدعم السكني.
المغلوث: أزمة السكن تؤرق المجتمع بكل شرائحه وخلقت ارتفاعًا في الأسعار
أكد الدكتور عبدالله المغلوث عضو الجمعية السعودية للاقتصاد أن وزارة الإسكان وبحسب تصريحاتها تمتلك أكثر من ١٠٠ مليون متر مربع من الأراضي الخام و٧٤ ألف متر مربع الأراضي المطورة بالإضافة إلى٤٧٠ ألف متر مربع من الأراضي التي تحت التطوير، وتقوم وزارة الإسكان بعرضها على مقاولين أو مطورين عقاريين. مبينا أن هدف وزارة الإسكان من توزيع الأراضي غير المطورة هو تقليل المصاريف التي اثقلت ميزانية الوزارة، وأرى أن الهدف الإستراتيجي لوزارة الإسكان من وجهة نظري الشخصية هو اشراك القطاع الخاص والمطورين العقاريين المعتمدين.وأشار إلى أن ازمة السكن تؤرق المجتمع السعودي بكل شرائحه وخلقت ارتفاعًا في أسعار الأراضي وهناك ٦٠٪ من الشباب السعودي لا يمتلك مسكنًا.
وقال المغلوث: إن وزارة الإسكان أشركت المقاولين والمطورين في تنفيذ مشروعات البنى التحتية، وإيصال خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي وفقا لاتفاقيات وآليات محددة، وقد وافق المقام السامي على ضخ 20 مليار ريال لتوفير الخدمات والبنى التحتية، مشيرًا إلى أن الوزارة تعاقدت مع شركات عالمية ووطنية، كما وفرت الوزارة مشروع مسارات الذي يتيح للمواطنين عدة خيارات وأحجام للوحدات السكنية بحسب الدخل والقدرة المالية. كما أن هناك توجهًا بتطوير مساحات الأراضي داخل الأحياء السكنية القديمة وتوزيعها على المواطنين وهي ستساعد على تقليل التكاليف كونها مخدومة في الأصل بالكهرباء والإنارة والصرف الصحي والمياه.
ويرى المغلوث أن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء إحدى الطرق التي ستساعد على وفرة الأراضي المطورة حيث سيسعى ملاكها إلى تطويرها حتى يعفى من الرسوم، مشيرًا إلى أن فرض الرسوم يجب أن يطبق بكل مناطق المملكة، دون النظر إلى أن المناطق الطرفية أسعارها منخفضة، وهذا التوجه إن طبق بالمناطق الطرفية فقط سيحدث خللًا وعدم عدالة وسيخلق أزمة.
العبيدالله: القرار مفاجيء وغير متوقع وطرح سريع لإسكات الرأي العام
قال سفر أحمد العبيدالله الرئيس التنفيذي لشركة ألوان للمشروعات: إن القرار مفاجيء وغير متوقع، فهو يعيدنا للسابق، واعتقد أن هذا ليس حلا بل هو طرح سريع لإسكات الرأي العام أو تقليل الأصوات التي تنادي بسرعة حل مشكلة الإسكان، والحقيقة أن الملف صعب ومتراكم من سنين، ولا يحل ملف الإسكان إلا بوجود منتجات جاهزة قابلة للسكن من قبل المستفيدين وليس بتوزيع الأراضي غير المطورة! وأضاف: أرى أن التوجهات الأخرى لوزارة الإسكان جيدة ومنها التعاون مع القطاع الخاص في تطوير الأراضي الخام وبنائها سواءٌ كانت شققًا أو فللًا لتوزيعها على المستحقين وأرى ان يتم البدء في الشقق السكنية فهي حل أسرع من الفلل ولا تحتاج مساحات أراضٍ كبيرة مثل الفلل خصوصًا باستخدام تقنيات البناء البديلة والسريعة المتوفرة في كثير من دول العالم والتي أثبتت نجاحها وكفاءتها وملاءمتها لأجواء السعودية بدل البناء التقليدي، مشيرًا إلى أن المتوقع من وزارة الإسكان أن يتم توفير منتجات متنوعة ومتعددة سواءٌ في نوعية الوحدات ومسحاتها أو قدرات المستحقين للإسكان، ويتم تصنيف المستحقين وفقًا لذلك، ولا يمنع من الاستفادة من شركات التطوير العالمية في الدول الأخرى في الدخول إلى السوق، لأن الأرقام التي ذكرتها وزارة الإسكان بأن السوق السكني في السعودية يحتاج إلى ما لا يقل عن 1.5 مليون سكنية، وكل سنة يحتاج إلى قرابة 250 ألف وحدة سكنية، فهذة الأرقام الكبيرة تجعل السوق مفتوحًا ويقبل أي مطور عقاري يستطيع أن يعمل فيه سواءٌ كان مطورًا محليًا أو دوليًا، وتبقى المنافسة من حيث الجودة والسعر والمواصفات ومحتويات كل مشروع.