Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التعصب.. السبب والمتسبب!!

نمتلك في بلادنا إرثًا دينيًّا، وتاريخيًّا، وثقافيًّا، وحضاريًّا، وفكريًّا متنوِّعًا، جعلها منبتًا طيِّبًا للأعراف والنواميس، والقِيَم التي تنبذ التعصب والعنصرية، أو التعاطي مع هذا أو ذاك، إمّا لحسبه و

A A
نمتلك في بلادنا إرثًا دينيًّا، وتاريخيًّا، وثقافيًّا، وحضاريًّا، وفكريًّا متنوِّعًا، جعلها منبتًا طيِّبًا للأعراف والنواميس، والقِيَم التي تنبذ التعصب والعنصرية، أو التعاطي مع هذا أو ذاك، إمّا لحسبه ونسبه، أو لمكانته الاقتصادية والمهنية، أو لنجاحه وفشله.
في الآونة الأخيرة طفت على السطح سلوكيات فجَّة من التعصّب، كان وراءها مَن يُغذِّيها، ويتعهَّد تأصيلها وديمومتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بعض القنوات الداعمة لتلك الحالة من السلوك المقيت، ولو لم يُتدارك الأمر، فسيؤول الحال إلى ما لا يُحمد عقباه من تأثير على نسيجنا الوطني المتلاحم.
هذا هو الواقع الذي وقف أمامه العقلاء، إمّا مُتفرّجين، أو مُتابعين، وفي كلتا الحالتين كنّا صامتين تجاه هذا التعصب المنبوذ، أو بتره عبر تلك الوسائل، وما أودُّ تسليط مرصدي عليه اليوم هو التعصب القبلي، والرياضي الذي أوصله البعض إلى سلوك يبعد -كل البُعد- عن القيم، والمبادئ، والعُرف.
ما نلمحه اليوم من تناثر بعض القنوات الفضائية الداعمة للتعصب، أشبه ما يكون بقطيع يرعى حيثما شاء، ومتى شاء دونما راعٍ، حتى بات كُلٌّ يسير في ركاب التفاخر والهياط، والتنابز بالألقاب، وصل إلى حد التشاتم.. والجنوح بالقبيلة، أو المدن، أو الأفراد من كيانٍ لهم دورهم الرائد في رفعة الوطن ضمن الوطن، إلى جعل قبيلته وطنًا.. «لا غيره، ولا سواه»!
كُلٌّ مِنّا يميل هواه إلى قبيلته، ولكن أن يصل الحال بالتعصُّب إلى التقليل من قدر الآخرين، أو أن يبلغ التسويق لتعصبه ذاك حد الخصومة بين أطراف عدّة، لمجرد أن الهوى يميل لأحد الأطراف دون الآخر، فهذا ما ينبغي أن نضعه نصب أعيننا، علَّنا نجد حلاً يُنهي تلك المهاترات التي لا فائدة منها.
لا علاقة لي بالكُرَة، ولم يكن هواي يومًا مأخوذًا بها، ولكن ما تشهده الساحة الرياضية، والذي غطى أرجاء الفضاء، هو الآخر، دور من أدوار العنصرية المفضية إلى خلق مجتمع رياضي غير سوي، يبعد -كل البُعد- عن الأخلاق واللياقة.
أذكر أني في أحد البرامج على إحدى القنوات كنتُ أتابع لقاءً مع أحد المتعصبين لناديه، وعلى الرغم من تقدّم سن الضيف، إلاَّ أنّه لم يكن خافيًا على المشاهد مقدار الكم الهائل من الاحتقان في ردود أفعاله ضد النادي الآخر.
ما أعنيه أن حرية الرأي مكفولة للجميع، وللتعاطي مع هذا السلوك الذي اعتبره -من وجهة نظري- «جانحًا» بالمطلق، ينبغي أن نضع أيدينا على الخلل، للكشف عن السبب والمتسبب في كل هذا الزخم من التشنّج العقيم الذي يخرج بالمشاهد من الاستمتاع إلى الانفلات الذي يحكمه التعصّب، ويقتاده إلى بؤر تزرع في نفوس المتعصبين الفرقة بجميع أشكالها.
مَن السبب؟ ومَن المتسبّب؟! أهي بعض وسائل الإعلام، أم المُشَاهِد، أم أولئك الذين أبى سلوكهم إلاَّ أن يوقد نار التعصب، حتى وصل الاحتقان على الساحة الرياضية إلى أن يربط التعصب ذاك بمدينة هذا النادي، أو ذاك، وما كل تلك الهوجة الجاهلة إلاَّ نتاج أفراد كان لهم الدور البارز في إذكاء نار الاحتقان، حتى سرى التعصب كالنار في الهشيم، في مجتمع تحكمه الأخلاق والفضيلة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store