قبل إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في عام ١٩٦٠م، كان سعر برميل النفط من خام العربي الخفيف (١,٨٠) دولار بينما كان سعر برميل الخام الأمريكي (٣,١٥) دولار. حينها، كانت شركات النفط العالمية الكبرى تتحكم في الأسعار كيفما تشاء. فكان من إيجابيات إنشاء منظمة (أوبك) رفع سعر برميل النفط إلى مستويات سعرية معقولة.
وقد استمر الارتفاع المعقول إلى أن دخلت في أسواق النفط المحافظ الاستثمارية. بمعنى آخر: لقد دخل الأسواق مستثمرون لا ينتمون إلى صناعة النفط، فلم يعملوا بها، ولم يحملوا همومها، ولا يعرفون أي شيء عنها. فتحولت تلك الأسواق من أسواق لا يدخلها إلا أصحاب تلك الصناعة والمتخصصون فيها، إلى أسواق مفتوحة لكل من كانت لديه القدرة المالية الاستثمارية. ولأنها أصبحت أسواقاً مفتوحة، مثلها مثل أي سوق تباع وتشترى فيها المواد الأولية، فقد خضعت لنمط سلوكيات تلك الأسواق، وتأثرت أسعارها كما تتأثر أسعار أسواق المواد الأولية من ارتفاع وانخفاض. ولا شك في أن القارئ يعرف أن من عواملها المؤثرة: الإشاعات، والأخبار غير الدقيقة، والإضرابات العمالية، والمشكلات اللوجستية، والعوامل الطبيعية، والقوى القاهرة، وغير ذلك.
كل هذه العوامل وغيرها كانت سبباً رئيساً في ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية، بصرف النظر عن عوامل السوق الأساسية من عرض أو إمداد وطلب. ثم أنشئت في سوق النفط السوق المستقبلية. فأصبحت البراميل الورقية تباع وتشترى ويضارب عليها المضاربون مثل أي سوق أخرى مستقبلية. فكان من نتاج ذلك ارتفاع سعر البرميل لمستويات ليست منطقية. فشهدنا ارتفاع سعر برميل النفط لمستويات كبيرة، في ظل وجود فوائض كبيرة من الإمدادات النفطية. وأصبح من غير الممكن تفسير ارتفاع السعر علمياً حسب المنطق الاقتصادي من عرض وطلب؛ بل أصبحت هناك ضرورة للركون إلى تفسيرات المضاربات وعواملها غير العلمية وغير المنطقية في كثير من الأوقات.
كما هو معروف، فإن سعر البرميل تفاقم ارتفاعه نتيجة لذلك، حتى تجاوز (١٤٧) دولاراً في عام ٢٠٠٨م، ما حفّز البدائل الأخرى لتدخل منافساً قوياً للنفط الخام التقليدي، نظراً لاقتراب تكلفة إنتاجها من تكلفة إنتاج برميل النفط التقليدي الخام. كما أصبحت كذلك الخامات النفطية غير التقليدية الثقيلة، والخامات النفطية البحرية بعيدة العمق، والنفط الرملي، والنفط الصخري، ونفط القار كلها ذات جدوى اقتصادية ومنافسة لدرجة أنها سلبت وهددت بسلب المزيد من حصة (أوبك) والمنتجين التقليديين الآخرين في السوق، ما جعل المنظمة وآخرين خارجها، كروسيا، تضخ ملايين البراميل الإضافية التي لا تقدر على استيعابها السوق، من أجل حماية حصصها؛ فهوت الأسعار تبعاً لذلك.
لعل القارئ قد تابع في استعراضنا ما حدث للنفط وأسعاره وأسواقه، ولا شك أنه لاحظ أن أساليب منظمة (أوبك) في علاج مشكلاتها لم تتغير منذ إنشائها، وخلافات أعضائها وتجاوزاتهم لحصصهم مستمرة، مع أن الأسواق والخامات والتقانة والمنافسة قد تغيرت كثيراً. فهل اجتماع الدوحة الذي سوف يعقد في السابع عشر من شهر أبريل القادم، والذي ستحضره دول مصدرة للنفط من داخل منظمة (أوبك) ومن خارجها سوف يعيد سعر برميل النفط تدريجياً إلى المستويات المعقولة التي عادة ما تحتسب دول العالم المصدرة للنفط ميزانياتها عليه؟
آمال العودة لأسعار الميزانيات
تاريخ النشر: 26 مارس 2016 23:56 KSA
قبل إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في عام ١٩٦٠م، كان سعر برميل النفط من خام العربي الخفيف (١,٨٠) دولار بينما كان سعر برميل الخام الأمريكي (٣,١٥) دولار.
A A