Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التّعصب المذهبي: خلاف الأتباع وسوءة التّشظي!!

No Image

لا شكّ أنّ جميع المديْنين بالإسلام مجمعون على أنّ كتاب الله وسنّة نبيه هما مصدرا التّشريع، بوصفهما المرجع الأساس والأوثق والأوحد لناشد الحقّ، وراجي الرّضوان الأعلى؛ فليس بعد قول الله -تعالى-، وقول رسو

A A
لا شكّ أنّ جميع المديْنين بالإسلام مجمعون على أنّ كتاب الله وسنّة نبيه هما مصدرا التّشريع، بوصفهما المرجع الأساس والأوثق والأوحد لناشد الحقّ، وراجي الرّضوان الأعلى؛ فليس بعد قول الله -تعالى-، وقول رسوله -عليه أفضل الصّلاة وأتمّ السلام- أي مجال لاقتراح آخر، أو مسلك مغاير.
تلك حقيقة إيمانيّة يجب الاعتقاد بها في كلّ ما يصدر عن المسلم من قول أو عمل.
ومع تلك الحقيقة الإيمانيّة؛ إلاّ أنّ ظاهرة انتشار التّعصب المذهبي كان أحد الأسباب الجوهريّة لمواطن الخلاف بين أتباع المذاهب، هذا، إذا لم يكن، هناك خلاف في داخل المذهب الواحد!!
وكما يشير المفكّر الإسلامي محمد الغزالي؛ فإنّ كلمة (مذهب) لا تعني أكثر من كونها «وجهة نظر فقيه ما في فهم النّص السّماوي»، ويضيف «ووجهة النّظر هذه لا عصمة لها ولا قداسة؛ إنّها تفكير بشري في فهم الوحى الإلهي، فالتّعويل على الوحي والكرامة في الانتماء إليه وحده».
إذن؛ لماذا تشعّبت المذاهب الفقهيّة مع أنّ المرجع الأساس، والمصدر المتّبع هما كتاب الله وسنة نبيه؟!
ذلك سؤال ليس بالجديد؛ وإن تعدّدت الإجابات عنه؛ إلا أنّها لا تختلف كثيرًا عن قول القائل: إنّ اختلاف العقول أمر طبيعي، كما أنّ السّياقات التأريخيّة، وكذا المكانيّة كانتا من أبرز أسباب تعدّد تلك المذاهب وتنوّعها، ومع هذا، فمن العسير، والعسير جدًّا جمع النّاس كلّهم على مذهبٍ واحد بحيث يتّفقون في الفكرة، والرؤيّة، وأساليب التّحليل، وطرق الاستنتاج.
ولا شكّ أنّ المذاهب الإسلاميّة الكبرى تتفق أيّما اتّفاق في الأصول، وإن وجد اختلاف قلّ أو كَثر في الفروع، فإذا كان الاختلاف مقصورًا فقط في الفروع خاصّة فيما أثر عن العلماء الكبار المعروفين برجاحة العقل، وسعة العلم، واتّساع الأفق وثبات الرؤية، والقدرة على الاستنباط والمقاربة ما بين نصٍّ ونصٍّ أخر؛ فإنّ الواجب، والحال هكذا، أنْ ينصرف الأتباع إلى ما أُجمع عليه بعيدًا عن كلّ نبزة شقاق تعكّر نقاء تلك المذاهب الإسلاميّة وصفاءها، والانصراف إلى ما يخدم العباد والبلاد بدلًا عن الاشتغال على خلافات فرعيّة، كثيرًا ما أوردت الأمّة سبيل الفوضى وأسباب التّشظي، وأشعلت جذوة التّنافر ممّا قد يصحّ فيها القبول، كما يصحّ فيها الرّفض.
وهنا حقيقة علميّة يقررها الكثير من العلماء والفقهاء والمفكّرين، فحواها؛ أنّ التّأمل في التّركة الثّقيلة من الخلافات التي خلّفها التّراث الفقهي الإسلامي التي ورثناها على امتداد تأريخ الفقه الطّويل يلاحظ أنّ الكثير منها أملاه التّرف العقلي، والتّماهي الفكري، في مقابل أخرى فرضها خلاف لفظي لا محصل له، وأن منها ما أشغل ناره الاستبداد السّياسي، واستبقاه عمدًا إلى يومنا هذا، وأنّ منها ما يصحّ أن يكون مسرحًا لنفر من الخاصّة ويعدّ شغل العامّة به جرمًا، وأنّ منها ما جمّده المقلّدون المذهبيّون لقصور شائن في معرفتهم.
فإذا أقررنا بذلك عن وعي وإدراك، فقد أسلمنا المذاهب الفقهيّة الكبرى من الرّزايا، وأبعدنا عنها خلافات الأتباع والدّهماء، وحمينا عامّة المسلمين من التّنافر، وحمل سوءتها عن مرمى الإيمان والاعتقاد؛ احتماء بمصدريْ التّشريع؛ كتاب الله، وسنّة نبيه -عليه السّلام-.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store