مهما حاول والداك إقناعك بمدى خوفهما عليك وحبهما لك ، فإنك لن تفهم ذلك إلا إذا رزقت بطفل يصبح لك ملء السمع والبصر ، وشيئاً فشيئاً تذكِّرك لهفتك عليه بلهفة والديك فترفع يديك لهما بالدعاء.
كانت فورة الشباب وروح المغامرة لدى الطيار المساعد تطغى على كل شيء ، ثم كان الرجل الوقور على اليسار يتصرف بتروٍ وتؤدة ، تنظر اليه في بعض المواقف فتحدثك نفسك : «لو كنت مكانه لفعلت كذا .. أنا أستطيع عمل ذلك..» وكما يقول المثل الشعبي :»من يداه في النار ليس كمن يداه في الماء» .
الى أن تأتي اللحظة التي كنت تنتظرها وتنظرها من قصرك العاجي في المقعد الأيمن.. حانت ساعة الحقيقة ، الأمر جلل والموقف مهيب.
أن تكون قائداً للطائرة ، هو أن تجمع خبرات سنواتٍ طوال وتدخل في معتركٍ من التدريبات الشاقة في وقت قصير . أن تكون قائداً للطائرة في مؤسسة ٍ تعلي قيمة هذه الأمانة هو بمثابة صقل رجلٍ ليكون صمام الأمان الأخير بعد شبكةٍ كبيرة من العمليات ، الإدارات، والعناصر البشرية والآلية ، وأن تستعد للعمل تحت ظروف مناخيةٍ قاسية ومفاجآتٍ لايحلو لها الظهور إلا في الأوقات العصيبة.
أن تكون قائداً للطائرة قد يعني أن تكون الشيء ، وضده ! ، أن تسلمها للطيار الآلي دون أن تثق به تماماً ! ، أن لاتخَون أحداً بل أن تُحرِّص، أن لا تكون ليناً فتُعصر ، ولا قاسياً فتُكسر . أن تعرف متى تتجاهل عثرات زملائك ومتى تتوقف ، أن تكون قائداً للطائرة يعني أن تقول نعم.. ولا.
أن تكون قائداً للطائرة يعني أن تحلق فوق المحيط الأطلسي فيما تلتف الأسر حول بعضها في الأعياد ، أو أن تكون بصحبة أسرتك فيهاتفك منسق الرحلات ويقول لك أن المؤسسة تحتاجك .. الركاب في الطائرة ولا يوجد أحد سواك .. فتحتضن أسرتك وتعدهم بأيامٍ أُخر .
أن تصبح قائداً للطائرة يعني أن تتذكر ذلك الرجل الوقور على يسارك وتدعو له كما علمك .
أن تكون قائد الطائرة
تاريخ النشر: 15 مايو 2016 01:31 KSA
مهما حاول والداك إقناعك بمدى خوفهما عليك وحبهما لك ، فإنك لن تفهم ذلك إلا إذا رزقت بطفل يصبح لك ملء السمع والبصر ، وشيئاً فشيئاً تذكِّرك لهفتك عليه بلهفة والديك فترفع يديك لهما بالدعاء.
A A