إشكالية الاستثمار في التقانة

في المشروعات الجديدة، في شتى أنحاء العالم حالياً، وكذلك في الاستثمارات المختلفة؛ هناك عامل المخاطرة الذي لا يمكن تجاهله لأنه جزء من المعادلة المالية والاقتصادية دائماً. وكلما كانت الاستثمارات ذات مردود عالٍ، كان عامل المخاطرة أكبر وأقوى. كما أن هناك في الأسواق ارتفاعات وانخفاضات مفهومة وغير مفهومة، وقد تكون ذاتية الحركة أو عن طريق «الرموت كنترول» من مؤثرين فيها، وهي خطيرة جداً لأنـها تشوّه الأسواق، فتحدث انبعاجات وانتفاخات وفقاعات؛ مثلما حدث في سوق المناخ بالكويت، ومثلما حدث عندنا منذ سنين ليست بالبعيدة، حيث خسر كثير من صغار المستثمرين معظم محافظهم المالية.
في الزمن الحاضر يسعى كثير من المستثمرين للاستحواذ على نصيب أكبر في الشركات والمشروعات المتطورة ذات الاعتماد على التقانة وتطبيقاتها، لأنـها ذات عوائد استثمارية عالية. ولكنها استثمارات في سوق غير مستقرة بالمعنى الكلي، من حيث إن اعتمادها على التقانة يجعلها عرضة لمستقبل غير واضح في ضوء التغير السريع في التقانة. فنرى التقانة المتطورة اليوم، والتي قد تمثل أرقى ما توصل إليه العقل البشري، تصبح تقانة متخلّفة وكأنـها من العصر الحجري في الغد القريب. وهذه الإشكالية تجعل الاستثمارات في الشركات المعتمدة على التقانة وتطبيقاتها أكثر مخاطرة وأشد تقلباً على المدى البعيد إن لم تتطور بذاتـها وتزددْ منتجاتـها وتطبيقاتها.
ولكن المحصلة الاستثمارية، في نـهاية المطاف، تعتمد على شيئين أساسيين هما: مدى المخاطرة التي يقبل بأخذها المستثمر، وسعة المدة التي يقبل باستمرار علاقته فيها بذلك الاستثمار. ولعله من المشاهد كثيراً دخول المستثمرين العالميين، ليس فقط إلى الأسواق العالمية الكبرى، بل حتى إلى الأسواق الناشئة. وقد أحدثوا تشوهات كبيرة في بعضها، كما حدث لبلدان النمور الآسيوية في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، وذلك بدخولهم الإليكتروني السريع إليها ثم سحب أموالهم منها سريعاً، فانـهارت بذلك اقتصادات تلك الدول.
أما أولئك الذين يحبذون الاستثمارات الممتدة على مدى أجيال طويلة، ولا تغريهم العوائد الصاروخية للاستثمارات المعتمدة على التقانة وتطبيقاتها، فهم الذين لا يغامرون، ويقتنعون بالعائد الاستثماري التقليدي المستمر، القليل المردود ، الطويل المدى، حتى وإن سخر منهم الآخرون.
m.mashat@gmail.com
Twitter: @mamashat