تمكنت تركيا من تجاوز أزمة جديدة كان يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء .. محاولة الانقلاب العسكري فشلت .. ومن الواضح أنها كانت سيئة التدبير من بدايتها ، ولم تتمكن من السيطرة على الخصوم الذين كانت تدعي أنها تسعى للقضاء عليهم ، فكان أن منيت بهزيمة كبيرة وغير مشرفة .. فالجنود الأتراك ضربوا في الشوارع أمام أجهزة الإعلام واقتادتهم الشرطة بملابس مدنية وهم ببذلاتهم العسكرية إلى المعتقلات .. وكان بالإمكان المحافظة على شيء من هيبة الجيش التركي عبر التعامل معهم ، إلا أن غضبة من التفوا حولهم ، واستعجال رجال الأمن المسلحين لوضع يدهم عليهم أدت لا إلى اعتقالهم فحسب بل إلى تجريد بعضهم من ملابسهم وانبطاحهم أمام من اعتقلهم . كما شهدنا في بعض الصور .
فقد الجيش التركي مهابته في شوارع إسطنبول ، وعسى أن يكون هذا درساً له ، ولكثير من جيوش العالم الثالث ، أن عهد الانقلابات العسكرية واستيلاء العسكر على السلطة بقوة السلاح هو في أفول . أما أولئك المؤدلجون وحلفاؤهم الذين يسعون إلى مقارنة ما حدث في تركيا بما سبق وأن وقع في مصر حين استولى الجيش على السلطة هناك ، فإن تلك مقارنة مغرضة ، إذ إن الجماهير المصرية الغفيرة خرجت بالملايين مطالبة بإسقاط نظام الإخوان المسلمين هناك ، . ووقف الجيش إلى جانبهم ، بينما خرجت جماهير تركيا معترضة على استيلاء الجيش على السلطة.
وبصرف النظر عن وجهـة نظرنا تجاه أردوغان ، إلا أنه من المشهود له بأنه تمكن مـــــن إدارة أسطنبول ، عندما كان رئيساً لها ، بجدارة عالية ، وحارب الفساد
فيها وأقام مشاريع استفادت منها المدينة ، وساهمت في جعلها قبلة للملايين من مختلف أنحاء العالم ، وكان قد تمكن مع رفيقه عبد الله غـول من بناء الحزب ثم
تعاون مـع ( خصمه اليوم ) الداعية فتح الله غولن ونجح فــــي الإنتخابات البرلمانية وبعدها فــي ( تطهير ) الجيش عبر محاكمات لقياداته واعتقالات علنية اتســمـت بها المرحلة الأولى من حكمه ، وعندما حصل الخلاف فيما بين غولن وأردوغـــان عاد الرئيس التركي وأخــرج قادة الجيش الذين سجنهم بأحكام قضائية في السابق وأعلن براءتهم ، كما قام بعملية ( تطهير ) أخــرى للقيادات الأمنية والقضاء .. ومن الواضح أن عملية محاولة الإنقلاب الأخيرة تعطيه فرصــــــــة إضافية ( لتطهير ) الجيش والقضاء والدولة بالشكل الذي يراه مناسباً وتمكنه وحــزبه « حزب العدالة والتنمية « من إدارة البلاد .
وبصرف النظر عن كل ذلك فإن أردوغان تمكن عندما تولى وحــــزبه الحكـــم من انتشال تركيا من الانهيار الإقتصادي الذي كانت واقعة فيه وحقق لها نمواً اقتصادياً
كبيراً تمكنت معه من كسب المرتبة السادسة والعشرين بين الدول المتقدمة اقتصادياً في العالم بعد أن كانت في المرتبة الحادية عشرة بعد المائة ، ورفع اقتصادها بحيث
تمكن من تصدير 153 مليــــار دولار سنـــوياً بعد أن كانت الصادرات التركية في حدود العشرين ملياراً . وتحقق كل ذلك في ظل استقرار سياسي نجح الحزب الحاكم بضمانه عبر تفوقه في جمع الأعضاء وإدارة حملاته الانتخابية ، على الأحــــزاب السياسية الأخرى ، والأكثر من ذلك نجاح إصلاحاته الاقتصادية .
تركيا المضرجة بالدماء لا تخدم أحداً
تاريخ النشر: 19 يوليو 2016 01:42 KSA
تمكنت تركيا من تجاوز أزمة جديدة كان يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء .. محاولة الانقلاب العسكري فشلت ..
A A