في خمسينيات القرن العشرين والعالم يرزح تحت وطأة الحرب العالمية الثانية كان أدب الطفل بطبيعة الحال ما زال يعاني من التهميش، وكانت النزعة لفصل الطفل عن العالم المضطرب وحماية براءته من كل ما يلوث عوالم الكبار. لكن عراب قصص الأطفال الأمريكي د. سوز لم يكن قاصاً عادياً في تلك الحقبة الحساسة، فهناك دوماً في نصوصه معنىً مستعارٌ من عالم الكبار يقدمه كدرس مستتر في ثنايا قصة طريفة.
د.سوز لم يتوانَ أن يعرض على الأطفال خلاصة قضايا الحقبة، فكتب عن العدل والعنصرية والاستهلاك التجاري والسلام والبيئة وغيرها من المواضيع التي امتزجت بشخصيات اختلقها د.سوز وبعوالم مميزة خاصة به لم يسبقه أحد في ابتكار نماذجها الصورية حيث رسمها للطفل بعبقرية فريدة، وما تزال حتى اليوم كتبه تواكب بل تتقدم عصرها.
«ييرتل السلحفاة» هو عنوان قصة كتبها سوز عام 1958وهي ليست استثناءً عن توجهاته الجريئة في مجال أدب الطفل. القصة تحكي عن سلحفاة كان يملك بحيرة لكنه أراد أكثر من ذلك حين طلب من باقي السلاحف أن يتكدسوا في شكل عامود طويل حيث يقف هو في قمته ليفحص الأرض المحيطة ،وكل ما تقع عليه عيناه يصبح مُلكه بشكل افتراضي. لكن مارك، السلحفاة في أسفل العامود، شعر بالإرهاق من عبء الحمل الثقيل فوق ظهره فطلب أن يستريح. تجاهل ييرتل المهووس بالسلطة طلبه وأخذ يصرخ طالباً المزيد من السلاحف والمزيد من الارتفاع حتى يصل للقمر. القصة الطريفة تنتهي بأن يتجشأ مارك في الأسفل، فيهتز عامود السلاحف ليقع ييرتل في بحيرة الطين فيفقد هيبته وسلطانه على البحيرة، وتتحرر بذلك جميع السلاحف.
سوز اعترف في إحدى مقابلاته أن القصة تتحدث عن هتلر، عن الفاشية والكيانات الصراعية والسلطة الشمولية والاضطهاد. عن مجتمع يسود فيه أصحاب الصوت الأعلى ويمسك زمامه الأكثر حماقة بل الأكثر وقاحة في فرض قوانينهم على البحيرة.
يسخر سوز من رغبة ييرتل، السلحفاة الإمبريالية، في تملك كل ما تقع عليه عيناه حين يصيح بصوت عال فوق أكتاف السلاحف: «أنا ملك الأبقار.. أنا ملك الحمير والشجر والقطط ...» وكل الأشياء التافهة ،كما يريد سوز لنا أن نستنتج، ولكي يرى هذا الديكتاتور المزيد، لكي يرى أشياء هائلة وجميلة في الأعلى لابد أن يقف على ظهور المحجوبين عن الرؤية، هؤلاء الذين هم أقل حظاً منه في هرم السلطة.
سوزيجعلنا نرى بوضوح ذلك التسلسل الطبقي الذي ينزل ليصل لقاع البحيرة، ويذكرنا بأن التغيير يأتي من خلال ردود الفعل الطبيعية «بالمعنى العضوي للكلمة» تلك التي تصدر عن هؤلاء المقهورين في القاع، وأن السلطة الشمولية هشة، كما يزعم سوز، وأن تجشئة واحدة من سلحفاة مقهورة كفيلة بأن تهدم كل شيء.
السلحفاة هتلر
تاريخ النشر: 20 يوليو 2016 00:52 KSA
في خمسينيات القرن العشرين والعالم يرزح تحت وطأة الحرب العالمية الثانية كان أدب الطفل بطبيعة الحال ما زال يعاني من التهميش، وكانت النزعة لفصل الطفل عن العالم المضطرب وحماية براءته من كل ما يلوث عوال
A A