Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين الاقتصادين الكلي والجزئي

يقع كثير من الناس في خطل الافتراض بأن الاقتصاد ككل يمكن إدارته على نحو ما تدار المنشآت على أساس أن من يقود الخطط ليس مطلوباً منه سوى إدارة تعاون فرق العمل المتخصصة تماماً كما يفعل رئيس مجلس إدارة أي م

A A
يقع كثير من الناس في خطل الافتراض بأن الاقتصاد ككل يمكن إدارته على نحو ما تدار المنشآت على أساس أن من يقود الخطط ليس مطلوباً منه سوى إدارة تعاون فرق العمل المتخصصة تماماً كما يفعل رئيس مجلس إدارة أي منشأة ،ويحاججون بأنه يستحيل على من يقود الإلمامَ بكل تخصص داخل شركته فلا غرابة أن يستعين بتخصصات في المحاسبة والتسويق والتخزين والتوزيع والتحليل المالي وإدارة المستودعات وإن استدعت مسئولية القياده تنسيق عمل التخصصات بقصد قيادتها نحو النجاح. وهذا طرح يبدو ظاهرياً مقنعاً ومنطقياً ولكن في الواقع التطبيقي تغيب مفاهيم ما يسمى بالاقتصاد الجزئي (microeconomics ) وهو علم يختص بدراسة اقتصاديات الفرد والمنشآت ،مثلما يتجاهل علم الاقتصاد الكلي( Macroeconomics ) الذي يهتم بدراسة الكتل والتدفقات على مستوى القطاعات داخل الاقتصاد وآثار السياسات المالية والنقدية وأسعار الصرف وسياسات الإنفاق العام، بينما للمفارقة أن أوجه التشابه بين الطرحين الفكريين كما قال البروفسور (راندي ري) يماثل التشابه بين علم الجيولوجيا والفيزياء أو كما أشار الاقتصادي الشهير مينارد كينز إلى شائع تبني ما اسماه بمُغالطة التعميم التي تقود للوقوع في خطيئة افتراض أن ما ينطبق على الفرد داخل المجتمع أو الاقتصاد ينطبق على المجموعه ككل، وأضرب مثالاً به يتضح المقال وهو مفارقة الادخار أو التقتير إن شئت ، والتي تفترض أن ارتفاع وتيرة ادخار فرد واحد داخل الاقتصاد تدفع للزعم بأن ثراءه قد زاد بمعنى أن هناك أمراً إيجابياً حدث بينما في الحقيقة أن ازدياد معدل ادخار كل فرد في نفس الوقت يحدث تباطؤاً اقتصادياً عاماً بسبب نقص الصرف على مستوى الاقتصاد ككل وقد يدخل الاقتصاد نفسه في كساد أو مرحلة تضخم عكسي .ومن الأمثلة الأخرى التي توضح هذه النقطة هي أن رفع منشأة واحدة لأجور موظفيها يمكن منه الاستنتاج بأن معدل ثرائها قلَّ بينما لو رفعت جميع المنشآت في نفس الوقت الأجور ستزيد من وتيرة الاستهلاك ورفع معدلات الطلب مما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد ولهذا يصح الاستنتاج بأن التعميم بجزء من الحقيقة لا يجعل الخطأ صواباً .
وتقتضي الضرورة تبعا لذلك أن يكون جميع أعضاء فريق التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي من أهل التأهيل والتدريب والاختصاص في الاقتصاد الكلي لاختلافه عن الجزئي وإلا ستقع إدارة الشأن الاقتصادي في تبسيط مخل تفترض فيه ما لا يصح، ومن أسف أن بعض المنخرطين في الشأن الاقتصادي تنقصهم هذه الخلفية، لاعجب أن يقعوا في أكثر الأخطاء شيوعاً من حيث البدء بالتخطيط الاقتصادي الجزئي وبوضع أهداف وغايات تستهدف تحقيق نتائج على مستوى الفرد والمنشأة ويعتبرون ذلك أولوية تقود لوضع خطط على مستوى الاقتصاد الكلي بينما العكس صحيح ولابد والحال كذلك من أن تبدأ التخطيط بالاقتصاد الكلي وبعد التجويد تشرع في التخطيط في الاقتصاد الجزئي ،وهو ما أتمنى أن لا تكون بعض محاور خطة 2030 قد وقعت فيه ..فإن صح ذلك سيكون مدخلاً لخلل اقتصادي ضار وآمل أن لا يكون استنتاجي صائباً.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store