Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جيْش الأفكَار..!

الكتَابة عن الأفكار مهمَّة ليسَت باليسِيرَة، فمَن ذا الَّذي يَزعمُ أنّه يَعرِفُ كيفَ تتكوّنُ الفِكرة؟! ويَعلمُ الظروفَ المناسِبةَ لذلكَ التكوّن؟! ولماذا تلِحُّ عَلينا فِكرةٌ دُونَ غيرِها؟!

A A
الكتَابة عن الأفكار مهمَّة ليسَت باليسِيرَة، فمَن ذا الَّذي يَزعمُ أنّه يَعرِفُ كيفَ تتكوّنُ الفِكرة؟! ويَعلمُ الظروفَ المناسِبةَ لذلكَ التكوّن؟! ولماذا تلِحُّ عَلينا فِكرةٌ دُونَ غيرِها؟! ومتَى تَهرُبُ منّا الفِكرةُ ولا نَنتبِهُ لَها؟!
لا أظنُّ بوجودِ شَخْصٍ يَمتلكُ الإجاباتِ الصَّحيحةَ لكلِّ الأسئلةِ السّابقةِ وما يَتفرّعُ مِنها.
الأفكَارُ كالجُنودِ في الجَيش، تُداهِمُ الأفكارُ ميدانَ العَقلِ بدُونِ سابقِ إنْذار، تَرحَلُ بعضُ الأفكَارِ بَعْد أنْ تَهزِمَنا، أو نَهزِمَها، وتُعَسْكِرُ فكرةٌ ما فِي العَقل، وتَأبَى أنْ تُغادِرَهُ إلاَّ بَعْدَ حِين، وفكرةٌ تَسْتَعمِرُ العقلَ إِلى الأبَد.
هُناكَ مَنْ يُشبِّهُ الفِكرةَ بالبِذْرَة، وهُو تَشبيهٌ صائِبٌ تمَامًا، فالبِذرةُ تَرْتَوِي بِالماء، والفِكرة يروِيها الإنصاتُ والنقاشُ الجادّ، لتُنبِتَ شجرةً مِن الأهدافِ العَظيمة، ولهَذا، مِن الخطَرِ تحقيرُ الفِكرة، أو التقليلُ مِن شأنِ صَاحِبِها، وتَزدادُ خطورةُ الأمرِ مَع الطّفل، والأَوْلَى أنْ نُصْغِيَ للأبنَاءِ والبَناتِ في مُحيطِ الأُسْرةِ والمدْرَسة، ونأخُذَ أفكارَهُم على مَحْملِ الحُبِّ والاهتمَام.
إنّ تنشئةَ الطّفلِ وتَربيتِه عَلى المنطقِ السّليم والتفكيرِ العِلميِّ، بَعيدًا عن التّلقِين؛ مِن شَأنِها أنْ تُخرِّجَ لنَا جيلاً صَالِحًا مُبْدعًا، واعدًا بكلِّ جَمِيل، يَصْعُبُ اختطافُ عَقْلِهِ بفِكرَةٍ مُتهافِتة، ويَستحِيل -بإذْنِ اللهِ تعالَى- دَفْعُه إلى حَرائقِ الموتِ المجّاني.
قدْ تَكُونُ غرابةُ الأفكَار، أو ما يَنتجُ عَنها مِن إحرَاج، أَحَدَ أسبَابِ تَحاشي الوالدَينَ أو المعلِّمِين مناقَشةِ أفكارِ أطفَالِهم وتَلاميذِهم، والحلّ مِن وجهةِ نَظرِ التربويّين يتمثّلُ في مُحَاولةِ تَفَهُّم نفسيّاتِ الأطفالِ وعُقولِهم، والنّزولِ لمستوَى تفكيرِهِم حِينًا، أَو الارتقَاءِ بِهِم لمُستوياتٍ أعْلَى مِن التّفكير، بحَسبِ ما تَقْتضيهِ طبيعةُ الفكرةِ وسِنُّ الطّفل.
أمّا الكَذِبُ في الإجَابةِ على تَساؤلاتِ الصِّغار، وإطلاقُ الوعُودِ الوهميّةِ بِالإجَابةِ عنْها في وَقتٍ لاحِق، فإنّها تَصْنعُ فَجواتٍ فِكريَّةٍ ورُوحيَّة، رُبّما يَتسلّلُ مِنها أصحابُ الاتجَاهاتِ المنحرِفة، ويَملؤُها حامِلو الأفكَارِ الضالّة، وفي أَقلِّ الاحتمَالاتِ ضَررًا، سنَرى الطفلَ قَد كبُرَ وأصبَحَ شابًّا حَائِرًا، تعْبثُ بهِ الأمراضُ النفسيّةُ لا قدَّرَ الله.
أيُّها الأعزّاء، قد تتمثّلُ الفِكرةُ في وَجهٍ يَسْكُنُنا، نُحِبُّه ويُحبُّنا، لكنْ مَا مِن سَبيلٍ إلَيه، لعلّهُ رَحَلَ إلَى الأبَد، لكنَّ ذِكريَاتِه أبَتْ أنْ تُغادِرَنا، فَفِي كلِّ زاويَةٍ مِن زوايَا القَلبِ والعَقلِ يتردّدُ صَدى صَوتِه، وفي كلِّ مكَانٍ جَمَعَنا بهِ يُلاحِقُنا خيالُ صُورتِه، أمّا هدايَاهُ لنَا وأشياؤهُ الباقِيةُ معَنا، فهِي أفكارٌ لا تَهْدأ، تتْلُوهَا أفكارٌ وأفكَارٌ.!
نُخاتِلُ النفْسَ أحيَانًا، نتَظاهَرُ بعَدَمِ التّفكيرِ بِذلكَ الحَبيبِ البَعيدِ مَكانًا، القَريبِ مَنزِلةً، نُحاوِلُ الهَرَبَ مِن وَجْهِه، مِن صَوتِه، مِن رَسائلِه، مِن كلِّ شيءٍ يَخُصُّه، وتَأبَى الفِكرةُ إلاَّ أنْ تأتيَ بِه، ولِسَانُ حَالِنا يَقُول:
كيفَ للعَقلِ أنْ يَتجاهَلَ شَخْصًا يَسْكُنُ القَلب؟!
وتَبْقَى الفِكرَةُ نافِذةَ العَقلِ إِلى الحَقيقة، يُطِلُّ مِنْها علَى مَشاهِدِ الحِكْمةِ والمَعرِفة، وتأخذُهُ لعَوالِمِ الدّهشَة ودُنيا الحُبِّ والسّعادة، ليشعُرَ، حَقًّا، بِإنسانيّتِه، ويَقُومَ بِدَوْرِهِ الرئيس، وهُو خِلافةُ اللهِ تعالَى في أرْضِهِ وعِمَارتِها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store