تولَّى البنتاجون الأمريكي إفساد إتفاقيَّة (لافروف - كيري) لوقف إطلاق النار في سوريا. قذفت الطائرات المقاتلة الأمريكيَّة نيرانها على قوات الأسد، وأعلنت أنَّ ذلك كان بالخطأ، وجعلت من الاتفاقيَّة التي وقَّع عليها كلٌّ من جون كيري وزير الخارجيَّة الأمريكي، وسيرجي لافروف وزير الخارجيَّة الروسي، يوم التاسع من هذا الشهر في جنيف، ضحية أخرى للخلاف القائم فيما بين البيت الأبيض من جهة، وأجهزة الدولة الأخرى في واشنطن، فيما يتعلَّق بالسياسة الأمريكيَّة تجاه سوريا، وباقي منطقة الشرق الأوسط. وهو خلاف لم يتردَّد وزير الدفاع الأمريكي، وكبار ضباطه إظهاره علنًا في تصريحات تعبِّر عن عدم الثقة بروسيا، وما توقِّع عليه من اتفاقيَّات وتعهدات.
جون كيري يتولَّى الآن تمرير الوقت الضائع لإدارة أوباما، في ظل إصرار إدارة البيت الأبيض على عدم اعتماد سياسة خارجيَّة واضحة، وقضى أربع عشرة ساعة يفاوض لافروف للخروج باتفاقيَّة سلام في خمسة أجزاء، جميعها سريَّة، نصَّت على ثلاث خطوات: أولاها وقف إطلاق النار، والثانية إدخال المساعدات الإنسانيَّة إلى حلب، والثالثة موافقة أمريكا على الدخول في تعاون عسكريّ واستخباراتيّ بسوريا مع روسيا، وشن هجمات مشتركة على داعش والنصرة. وهي اتفاقيَّة تبدو اليد العُليا فيها للكرملين، وتعطيه حقوقًا لا يحبُّ الأمريكيون المشكِّكون بجدوى الاتفاقيَّة منحها له.
سوريا بحاجة إلى جانب وقف إطلاق النار، إلى مناطق آمنة داخل سوريا، يتم إيواء ملايين الهاربين من نار الحرب الدائرة فيها، حيث يوفِّر لهم الغذاء والعلاج والملجأ، ويمنع التحليق فوقها. إلاَّ أنَّ واشنطن غير مستعدة للتعاون لتنفيذ ذلك، وموسكو لا ترى داعيًا له، طالما أنَّ هدفها هو قمع الشعب السوري لصالح بشار الأسد. وهي ترى أنَّها قد ضمنت مستقبل النظام على المدى القريب، وتسعى لتتويج فلاديمير بوتين صانعًا للسلام في سوريا.
إلاَّ أنَّ السلام لا يبدو قريبًا، فدخول دولتين كبريين، روسيا وأمريكا، في موقعين متضادين يجعل معركة السلام السوري أكبر من مجرد كونها قضيَّة محليَّة أو إقليميَّة، بل تدخل ضمن حسابات التنافس فيما بين الدولتين الكبيرتين في مناطق أخرى من العالم، ثمَّ يأتي دور القوى الإقليمية ومن ضمنها تركيا وإسرائيل والأردن، المحاذية لسوريا، والقوى المستفيدة من الوضع الدموي مثل إيران وعملائها المذهبيين، يُضاف إلى كل ذلك عشرات الحركات العسكريَّة الصغيرة والكبيرة من داخل سوريا وخارجها.. بالإضافة إلى مصالح أقليمية أخرى، مثل الخليجيَّة، التي يهمها مصير الشعب السوري، وأمن وسلامة المنطقة. هؤلاء سيكونون أطرافًا في أيّ صيغة سلام تتم، وهي (طبخة) يصعب التوصل إليها في المستقبل المنظور، ممَّا يشير إلى استمراريَّة الحرب الدموية في سوريا. ويعلق بعض المراقبين السياسيين الآمال على أن تأتي الانتخابات الرئاسيَّة الأمريكيَّة بحل ما عبر دماء جديدة تضخ في واشنطن، تدفع إلى اتخاذ قرار، فيما يتعلق بسوريا، إمَّا بالتعاون مع روسيا، أو بمواجهتها، وفي الحالتين تتضح صورة ما سوف تشهده سوريا، وبقية المنطقة من تطورات.. إلاَّ أنَّ هناك احتمالاً آخرَ، وهو أن تقرر الإدارة الجديدة المنتخبة في واشنطن أن مصلحتها تكمن بالاستمرار في سياسة أوباما، وتعتمد «اللا قرار»، وتتابع سياسة «اللا إستراتيجيَّة».
سلام سوريا لن يتحقق قريباً
تاريخ النشر: 20 سبتمبر 2016 01:29 KSA
تولَّى البنتاجون الأمريكي إفساد إتفاقيَّة (لافروف - كيري) لوقف إطلاق النار في سوريا.
A A