تقع بلدة «بدا» في الشمال الشرقي من مدينة الوجه، التي تتبع بدورها إمارة منطقة تبوك، وهي واحة جميلة واسعة، تحيط بها من جميع الجهات قممٌ متفرِّقة من الجبال المرتفعة، والمتوسطة الارتفاع، تتخلّلها بعض الأودية الخلاَّبة، ومتوفر بها حاليًّا معظم الخدمات التعليميَّة، والصحيَّة، والإدارات الحكوميَّة، وحاليًّا ترتبط بلدة بدا بمدينة الوجه بطريق معبد، أمَّا سبب تسميتها بهذا الاسم، فيقول سكَّانُها المعاصرون إنَّ أجدادهم الأقدمين حفروا بئرًا، وعندما ظهر ماؤها، صاح الذي في قعرها، أبشروا بدا الماء، فجاء اسم المكان على هذه الحادثة، وقد جاء ذكرها في بعض المصادر باسم بدا يعقوب نسبةً إلى النبيّ يعقوب عليه السلام، قال المقدسي: «بدا يعقوب على جادَّة مصر عامرة آهلة». وقال أبو عبيد البكري في كتابه «المسالك والممالك»: «والطريق من مدينة النبيّ صلَّى الله عليه وسلم إلى مصر على الجادَّة، من المدينة إلى ذي خشب، إلى السُّويدَاء، إلى البزوة، إلى سُقيا يزيد، إلى بدا يعقوب، إلى ضباء، إلى النبك، والصَّلا، إلى عينونة...»، كما وردت نسبته إلى يعقوب عليه السلام في كتاب آثار البلاد للقزويني، حيث يقول: «كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام، ويُقال هذه القرية :»بيت الأحزان»؛ لأنَّ يعقوب -عليه السلام- كان بها حزينًا مدَّة طويلة، ومنها سار إلى مصر إلى يوسف عليه السلام». وورد اسم بدا كتابةً بأشكال مختلفة، ففي بعض روايات شعر جميل بثينة، ورد بالياء المنونة (بدىً)، وذلك في قوله:
ألاَ قدْ أرَى إلاَّ بثينةَ للقلبِ
بوادِي بدىً لا بحسمِى ولا شغبِ
كما ورد في بعض روايات شعر كثير عزة منونًا (بدًا)، وذلك في قوله:
وأَنْتِ التي حَبَّبْتِ شغبًا إلى بدًا
إليَّ وأَوْطَانِي بِلادٌ سِوَاهُمَا
حَلَلْتِ بهذَا حلةً ثمَّ حلةً
بهذَا فطابَ الوادِيانِ كِلاهُمَا
وهذا يدلُّ على أن «بدا»، وكذلك «شغب» (منهل بين طريق مصر والشام)، كانا من مناهل الماء منذ القدم، فلا شكَّ أنَّهما مسكونتان منذ الفترة القديمة، كما ورد في شعر زيادة بن زيد ممدودًاً (بداء)، يقول البكري: «فلا أدرى أمدُّه ضرورة، أم فيه لغتان». قال:
وَهُم أطلقُوا أسرَى بداءٍ وأدركُوا
نساءَ ابنِ هندٍ حينَ تهدَى لقيصرا
كما جاء ذكر «بدا» كمحطة مهمَّة على طريق الحجِّ، حيث أشار ابن خرداذبة -وهو أقدم الجغرافيين المسلمين- عند ذكر منازل الطريق من مصر إلى مكَّة، فيقول: «يبدأ من الفسطاط، ويمرُّ على الجب، ثم البويب، ثم منزل ابن بندقة، ثم عجرد، ثم الذنبة، ثم الكرسي، ثم الحفر، ثم منزل، ثم أيلة، ثم حقل، ثم مدين، ثم الأغراء، ثم منزل، ثم الكلابة، ثم شغب، ثم بدا، ثم السرحتين، ثم البيضاء، ثم وادي القرى، ثم الرحيبة، ثم ذي المروة، ثم المر، ثم السويداء، ثم ذي خشب، ثم المدينة، ثم مكَّة مرورًا بالمنازل الواقعة على طريق المدينة - مكَّة. وكذا ذكر «بدا» كلٌّ من اليعقوبي، والحربي، وابن قدامة، والاصطخري، وابن حوقل، كما ذكر الجزيري في كتابه (الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة)، حيث يقول: «والطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر على الجادَّة من المدينة إلى ذي خشب، إلى السُّويدَاء، إلى البزوة، إلى سُقيا يزيد، إلى بدا يعقوب ...»، ويوجد في بدا موقع أثري لبلدة صغيرة تنتشر على سطحه كسر الفخار، والخزف الإسلامي، وخزف السيلادون الصيني الذي يعود تاريخه إلى القرنين الهجريين الثالث والرابع، وبجوار هذا الموقع توجد بركة قديمة، وآثار قنوات للري تسير فوق الأرض لمسافات طويلة، وبقرب هذه الآثار توجد مجموعة كبيرة من الكتابات الكوفية المبكرة، منقوشة على صخور الجبل المطل على الموقع، والذي يُسمَّى شهيبة بدا الشماليَّة. كما وجدت في الجانب الشرقي آثار للعين. وقد لبست «بدا» ثوب الحضارة من التطوّر والنهضة والرقي كغيرها من مدن وقرى منطقة تبوك في عهدنا الزاهر، فتزداد قيمتها حيث إنَّها بلدة تاريخيَّة أثريَّة سياحيَّة، يربط حاضرها بماضيها العريق.
«بدا».. قرية أثريَّة تاريخيَّة ومحطَّة على طريق الحجِّ
تاريخ النشر: 06 أكتوبر 2016 22:56 KSA
تقع بلدة «بدا» في الشمال الشرقي من مدينة الوجه، التي تتبع بدورها إمارة منطقة تبوك، وهي واحة جميلة واسعة، تحيط بها من جميع الجهات قممٌ متفرِّقة من الجبال المرتفعة، والمتوسطة الارتفاع، تتخلّلها بعض الأو
A A