المستفيدون من خفض الرواتب

من فوائد نقص السيولة النقدية في اقتصاد أي دولة، المساهمة في تخفيض معدل التضخم فيها وكذلك في ارتفاع القيمة الشرائية لعملتها، وكلما ازداد النقص في النقد في الأسواق، كان حجم الانخفاض في معدل التضخم أكبر، وكان الارتفاع في القيمة الشرائية للعملة أكبر، ولا ينأى عن البال بأن هناك استثناءات محدودة إلا أن ما ذكرناه هو القاعدة العامة التي تتحكم في سلوك الاقتصاد في بيئة واحدة غير متأثرة بعوامل خارجية شديدة.
فإن كان ما أسلفنا ذا مردود إيجابي هكذا على الفرد في المجتمع إلا أن من أهم سلبياته هو تعثُّر الاستثمار، وتأجيل المشروعات الجديدة، والتأثير السلبي على قطاع المقاولات، وارتفاع البطالة في القطاعات الإنشائية، وكذلك القطاعات الأخرى المستفيدة منها أو المعتمدة عليها.
وأهم المستفيدين من نقص السيولة النقدية (أو تخفيضها) هم أولئك الذين ليست لهم رواتب أو أجور من قطاعات التوظيف، سواء أكانت تابعة للدولة أم قطاعات غيرها، ويستفيد كذلك الذين لهم رواتب ثابتة كالمتقاعدين عندنا، فما دامت مدخولاتهم النقدية ثابتة، فاستفادتهم غير نقدية وغير مرئية، وإنما تنتج من العوامل الاقتصادية الناتجة من انخفاض معدل التضخم الذي يتيح لهم انخفاضًا في أسعار المواد والمؤن التي يشترونها من ناحية، ومن الناحية الأخرى ارتفاع القيمة الشرائية للعملة، فيمكنهم بذلك شراء كميات أكبر من احتياجاتهم بالريال نفسه.
قرار تخفيض الرواتب والبدلات الصادر من مجلس الوزراء مؤخرًا سوف يُوفِّر للدولة ما يُقدَّر بتسعـين (٩٠) مليار ريال سنويًا وهو ما يُقدَّر بنسبة (3.6%) من الناتج المحلي البالغ في عام ٢٠١٥م (2.5) تريليون ريال، وهذه النسبة منخفضة ليكون لها تأثير كبير في الأسس الاقتصادية المذكورة في بداية المقال، كما أن إمكانية تحول الدولة في صرف الرواتب والأجور وفق الشهور الشمسية (الميلادية) بدلاً من الشهور القمرية (الهجرية) سوف يُوفِّر للدولة (18.7) مليار ريال سنويًا.
مما تقدَّم فمن المنطقي قراءة قرار مجلس الوزراء الموقر في إطار الإجراءات الترشيدية وشد الحزام الضرورية حاليًا، والتي فرضها تدنِّي دخل الدولة المعتمد معظمه على الإنتاج النفطي.