Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هلْ تَعْرِفُ نَفْسَك؟

أتمنَّى أنْ لا يكونَ السؤال، عنوانَ هذا المقال، صادمًا للقارئ الكريم، وإنْ كان يغلبُ على ظَنِّي أنَّه كذلك، ولا بأسَ بالصدماتِ التي تعلِّمنا، فهي أفضَل مِن الكلامِ المنمَّق، الذي يبيعُنا وهْمَ الطمأني

A A
أتمنَّى أنْ لا يكونَ السؤال، عنوانَ هذا المقال، صادمًا للقارئ الكريم، وإنْ كان يغلبُ على ظَنِّي أنَّه كذلك، ولا بأسَ بالصدماتِ التي تعلِّمنا، فهي أفضَل مِن الكلامِ المنمَّق، الذي يبيعُنا وهْمَ الطمأنينَة، ويَسكُب في أَعينِنا سرابَ الوعُود.!
هذا السؤالُ ينتمي إلى الأسئلةِ المصيريَّةِ في حياةِ الإنسان، بمعنى أنَّه لا مفرَّ مِن الإجابةِ عليه، إجابةً واضحةً، لا تَحتمِلُ التأويل، ولا تَقْبَلُ التأجيل.
وهُنا، لا بدَّ مِن التنبيهِ بأنَّني لستُ استثناءً في هذهِ الحالة، فأنا أُفتِّشُ مع حضراتكُم عن إجابةٍ، أو إجاباتٍ، تُهدِّئُ قلقَ المعرفةِ في عقولِنا، وتأخذُ بأيدِينا إلى واحةِ اليقين؛ لنتفيَّأ ظِلالَ السعادةِ، ونَنْهَلَ مِن ينبوعِ السَّكِينة، ونتذوّقَ ثمارَ الحقيقَة.
تكمُنُ أهميةُ معرفةِ الإنسانِ لنفْسِه، في أنَّها مفتاحٌ لمعرفةِ كلِّ ما يحيطُ بهِ ويشتركُ معهُ في الحياة، حتَّى على مستوى الجماداتِ التي يستخدمُها ويتعاملُ معها بشكلٍ يومي، مِن أجهزةٍ وأدواتٍ وآلاتٍ، ولا ننسى أبدًا الأفكارَ والمعارفَ الإنسانيَّةَ قديمَها وحديثَها.
يقولُ الوزيرُ والسفيرُ السعوديُّ الراحل د. غازي بن عبدالرحمن القُصيبي، غفرَ اللهُ له: الإنسَان الذي يَعرفُ نقاطَ ضعْفِه، يَملكُ فُرصةً حقيقيةً في تحويلِها إلى نقاطِ قوَّة.!
والسُّبل إلى معرفةِ الإنسانِ لنفْسِه كثيرة، أولُها الإيمانُ باللهِ تعالَى، خَالقِ هذا الكون ومُبدعِه، إيمانًا لا يخالطُه شكٌّ، ولا يشوبهُ ظنونٌ سيّئة، ثم يأتي تحصيلُ العُلومِ النافعةِ في شتَّى فروعِها، ولا يَكتفي أحدُنا بمجالِ تخصُّصه، فالعِلمُ يَخلقُ لعقلِ الإنسانِ درعًا معرفيًّا ضدّ الجهلِ والخُرافات والأوهَام، ومِن أهمِّ روافدِ ذلك القراءةُ والتأمُّلُ في الحياةِ والكائنات، كما تَزخرُ بذلكَ آياتُ القرآنِ الكريم، عن السَّيرِ في الأرضِ، مع التبصُّرِ والتفكُّرِ والتدبُّر.
أمَّا إنْ سَلَّمَ الإنسانُ عقلَهُ إلى مَن يُفكَّرونَ نيابةً عنه؛ فإنَّهُ قد ارتكبَ بهَذا الفِعْلِ حماقةً فظيعةَ الضّررِ على عَقلهِ وعلى مسيرةِ حياتِه، وقد يَخرُج مِن سِجْنهِ الفِكريِّ المظلمِ هذا، أو يَبقَى حبيسًا فيهِ إلى أجلٍ غيرِ معلُوم، مع عواقبَ لا يمكنُ التنبُّؤ بمَدى خَطرِها.!
ومِن سُبلِ مَعرفةِ الإنسانِ لنفْسِه، مُصاحَبةِ الصّادقِين مِن ذوي العِلمِ والحِكمَةِ ومجالَسَتِهم، ولو كانوا أَصغرَ أو أَكبرَ منَّا في السِّن، فربَّما فاقَ الصغيرُ الكبيرَ بحُسْنِ نظرِه إلى الأمور، وإدراكِ مآلاتِها، أمَّا الكبَار فلهُم تجاربُهم الطَّويلة، الممزوجَة في كثيرٍ مِن أحوالِها بالألَم، وهي تجاربُ جديرةٌ بالاستماعِ والاستيعَاب؛ لأنَّ المدارِسَ والجامعاتِ لا تمنحُنا هذا النَّوعَ الهامَّ مِن العِلم.!
وتأتي محاسَبةُ النفْس كسَببٍ رئيسٍ في معرفةِ الإنسَانِ لنفْسِه، لأنَّها الجِسرُ الواصلُ بينَ ضفَّتيّ الحيرةِ واليقين، وكلَّما عَبَرْنا هذا الجِسرَ كثيرًا، اطمأنَّتْ أَنْفُسُنا؛ وعَرَفَتْ حُدودَها؛ فتوقَّفَتْ عِندَها.
إنّ مَعرِفتَنا لأنفُسِنا، تَختصِرُ علَينا الكثيرَ مِن وعثاءِ الدّروبِ والأفكَار، وتوفِّرُ الزمنَ الذي نُهدِرُه، ونَحْنُ نركضُ خلْفَ سَرابِ الأوهَامِ.
يا صَديقي الإنسَان، اِعرِفْ نفْسَك أولاً، وتأكَّدْ أنَّهُ لا قِيمةَ للمعْرفةِ التي يَزْدَحِمُ بِها عقلُك، وأنتَ لا تَعرِفُ نفْسَكَ جيِّدًا.!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store