Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عنْ مَعنى الصَّداقة!

الصَّداقة قِيمة إنسانية مهمّة، تبدأُ معَ الإنسَانِ في أوّلِ يومٍ دراسيٍ له، وربما قبْل ذلك بقليل، عن طَريقِ تكوينِه لعلاقاتِ اللعبِ الطّفوليّ، مع أقرانِه في العائلةِ والحيّ، وتبادُل الألعاب، ومشارَكة

A A
الصَّداقة قِيمة إنسانية مهمّة، تبدأُ معَ الإنسَانِ في أوّلِ يومٍ دراسيٍ له، وربما قبْل ذلك بقليل، عن طَريقِ تكوينِه لعلاقاتِ اللعبِ الطّفوليّ، مع أقرانِه في العائلةِ والحيّ، وتبادُل الألعاب، ومشارَكة الطّعام، والضّحك والبُكاء، وقد تستمرُّ صداقاتُ الطفولة مدى العمر، أو تتوقف، لظرفٍ ما، في مرحلةٍ زمنيةٍ ولا تتعدّاها، لتأتي بَعدَها صداقاتٌ جديدة.
وجُود الأصدقَاءِ الحَقيقيين مِن حوْلِنا يُشعِرنا بالطّمأنينة، ويحقّق لنا الدعمَ النفسيّ والفِكري، فالصّديق لصَديقهِ مسَاحة رُوحية شاسِعة، لأنهُما يتشارَكان لحظاتِ الفرَح، فتغدو مهرجانًا للحيَاة والسّعادة، وتَمتزج مشاعرُهُما في مواسمِ الحُزن، لتتضاءَل الغصّةُ إلى أقلِّ حَجْمِها.
قَرأْتُ هَذهِ القِصّةَ عن الفَرْق بينَ الصّديقِ الحَقيقي والزائف: سَألَ الأبُ ابنَه: كمْ عَدد أصْدقَائِك؟ فأجابَ الابنُ مُتباهِيا: كثير، وهُم أصدقَائي فِي السرّاءِ والضرّاء. لكن قُل لِي أنتَ يا أبي، كَم عَدد أَصدقائك؟ قالَ الأب: صَديقٌ واحِد، فَسألَ الابن: وهَل هُو مُخْلِص؟ أجابَ الأب: أَظنّ ذلك.!
اتفقَ الأبُ مع ابنِهِ أنْ يَختبِرا إخلاصَ هؤلاءِ الأصدِقاء، فذَبحَ الأبُ خروفًا، ووضعهُ في إحدى غُرفِ المنزِل، وغطّاهُ بقماشٍ أبيض، وكأنهُ جُثّةُ إنسانٍ مقتُول، طَلَبَ الأبُ مِن ابنِهِ أن يُنادي أصدقاءَه، ويُخبرَهم أنّ أباهُ قَتَلَ رَجُلا، وهو بحاجةٍ لمسَاعدتِهم. ذهبَ الابنُ لمَن يَعتقدُ أنه صَديقَهُ الأكثَر إِخلاصا، ومَا إنْ أخبرَه بالقصّة، حتّى أَغلقَ الصَّديقُ بابَه في وجهِ صَديقِه، وطَلبَ منهُ التصرّفَ لوحدِه في هذهِ المُصيبَة. مَرّ الابنُ علَى مَنازلِ أصحَابِه جميعا، إلا أنّهم تنكّروا له، وكلّ واحدٍ منهُم يقُول: اذهب إلى صَاحِبِنا فُلان ليُساعدَك، ولكنّ الردَّ كانَ واحدًا مِن الجَميع.!
وبَعْدَ عَودةِ الابنِ إلى البيتِ بشُعورِ الخيبَةِ مِن أصدقَائِه، قالَ لهُ والدُه: اذهبْ إلى صَديقي (فُلان)، وأَخبِرْه أنّني قَتلْتُ إنسَانا، وما كانَ مِن الصّديقِ إلا أن تقلّد سيفَه، وامتطَى حصانَه، وحَضرَ لمنزلِ صديقِه، وحينَ دخلَ الغُرفةَ التي بِها الجُثة المزعومَة، بادَرَ بإغمادِ سيفِه بِها، وقالَ لصَديقِه، والابن يَسْمعُ ويُشاهدُ المَوقف: الآنَ بإمكانِكَ أنْ تُخبرَ الشرطةَ أننا قَتَلْنا هذا الرجُلَ معا.!، حينها تأكّد الابنُ مِن زيفِ أصدقائِه الذين تخلّوا عنه، وتيقَّن مِن إخلاصِ صَديقِ أبيهِ الوَحيد، وهُنا رَفَعَ الأبُ قِطعةَ القماشِ عن الخرُوف، واقتسمَهُ مع صَديقِه المخْلِص.!
ولستُ بِحَاجةٍ لأقُولَ أنّ هذهِ القصّةَ الرمزيّةَ لا تدعُو لارتكَابِ جَريمةِ قَتْلٍ لاختبَارِ عُمقِ وحَقيقةِ العلاقةِ التي تَرْبطُنا بأحدِ الأصدقَاء، ولكنّها تدلّ دلالةً بعيدةَ المَدى، أنّ الصّديقَ وَقت الضِّيق، كمَا يقولُ المثلُ المَعروف، أو كما قِيل في البَيتِ الشّهِير:
مَا أَكْثَرَ الإخوانَ حينَ تَعدّهُم
لكنّهم في النّائِبَاتِ قَلِيلُ
إنّ الصَّديقَ الحَقيقي هو مَن يَشْعرُ بأَلمِ صَديقهِ مِن نَظْرةِ عَيْنيه، مِن نَبرةِ حَديثِه، إنهُ الشخصُ الذي قليلاً ما يَسألك: ماذا تَقصدُ بكَلامِك؟، لأنّهُ استوعَب، مع طُولِ الزمَنِ والعِشرة، طَريقتَكَ في التفكيرِ والكلام، فلا تَخْسَرْ هَذا الصّدِيقَ أبَدا، لأنّهُ الكَنزُ الثّمِينُ فِي حيَاتِك.!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store