قلوب سعيدة

أصحاب المحلات الصغيرة «الدكاكين» الذين يبيعون الأشياء المتواضعة من ملابس أو عبايات أو بهارات.. أو البقالات الصغيرة.. هؤلاء لا يعرفون الهم..
تفتح محلاتهم بعد صلاة الفجر وتستمر في العمل لبعد صلاة العشاء.. وكلما باعوا حمدوا الله على فضله.. سعداء.. يمشي أحدهم الهوينا إلى بيته وهو مبتسم وراضٍ ويطلب من الله حسن الخاتمة..
زوجته تخدم بيتها من الداخل.. وتهتم بأولادها وبيتها وزوجها.. سعيدة بحياتها.. لا ينغص أيامها إلا عندما يمرض زوجها.. فتحمل همّه وتُشجِّع ابنه على مساعدة والده..
عندما يكون الصيف.. لا مكيفات ولا سيارات.. من البيت إلى المسجد ومن ثم إلى المحل..
تخيَّل كيف هؤلاء.. ماذا يُفكِّرون؟.. كيف يرون ما حولهم؟..
يشاركون في المناسبات بحضورٍ متواضع.. لا يمكثون كثيرًا في العزاء.. يعزون من غير تطويل.. وفي الفرح يتواجدون من غير إزعاج.. لا يشعر بهم إلا من يعرفهم..
تواضع في عز.. وأناقة في مروءة.. عندما يتكلمون في كلامهم حكمة.. وفي صوتهم وقار.. لسانهم ذاكر.. ونفوسهم راضية..
في المقابل..
موظفون ينتظرون رواتبهم.. ويجاملون رؤساءهم.. ويكيدون لزملائهم.. يدَّعون العلم.. ويتكلفون في الملبس والسيارات الفارهة.. وصخب الموسيقى.. والمطاعم الفاخرة..
ينظرون إلى غيرهم بفوقية.. ويمشون على الأرض وهم يضربونها.. لتستيقظ بأنهم فوقها..
ليسوا فاسدين.. ولكنهم في طريقهم إلى الفساد.. مفسدون بغير ما يعلمون.. تنطلق حياتهم ليعيشوا مستقبلًا فيه أعباء جيل قادم..
لا يصلحهم إلا تجارب قاسية تعود بهم إلى الصواب.. أو تعصفهم فيوغلون في طغيانهم.. ذنبهم آباؤهم ومدرسوهم.. ليس لهم قدوة..
قارن بين أولئك وهؤلاء.. انظر إلى سعادتهم.. لينطلق السؤال.. من هم السعداء؟
أولئك الذين يخافون ويرضون.. وبقليله يعيشون.. بيت يعين على الكفاف.. ودار تؤويهم.. لا يعرفهم الأثرياء ولا العظماء..
لا يداهنون.. وبقلوبهم يستنكرون.. وعن اللغو معرضون.. ولوعدهم موفون.. ولأماناتهم مؤدون..
بيوتهم مستقرة.. وحياتهم ابتسامة وسعادة.. يعبدون ربهم.. وينامون ليلهم.. ويؤدون عملهم.. ويدعون الله لوالديهم وذريتهم ووطنهم والمسلمين..
«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».. سورة القصص، آية رقم (83).