Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الثَّوابت: نبات متجذّر في تربة خصبة..!!

No Image

كلُّ ثابت من ثوابت الدِّين الإسلاميِّ أمر به القرآن الكريم، وصحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- لا يجوز معه إلاَّ القبول، والتَّسليم، والإذعان إليه، غير أنَّ بعض ما عدَّه المجتمع «ثابتًا»، دون د

A A
كلُّ ثابت من ثوابت الدِّين الإسلاميِّ أمر به القرآن الكريم، وصحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- لا يجوز معه إلاَّ القبول، والتَّسليم، والإذعان إليه، غير أنَّ بعض ما عدَّه المجتمع «ثابتًا»، دون دليل، أو برهان، تصحُّ معه المناقشة والمداولة، كما يصحُّ تساؤله وتفنيده.
في دراسة بعنوان: «الثَّوابت نوابت» يقوم الأستاذ فالح بن شبيب العجمي بفحص مصطلح «الثَّوابت»، واستعمالاته؛ بوصفه ركيزةً من ركائز خطاب الجماعات الإسلاميَّة المعاصرة، مع تتبُّع تأريخ استخدامه، والمصطلحات المقابلة له في العصور الإسلاميَّة الأولى، كما يتناول المنهج التأويلي، والفقهي، والتداولي المرتبط بطرقِ تفكير أصحاب ذلك الخطاب، ونظرتهم إلى التراث الإسلاميِّ، والحياة المعاصرة في مزج ما بين رغبة المنظِّرين في التَّأثير الجماهيريِّ، ومحاولة حلّ أزمة خطابهم المعاصر، القائمة على «التَّشدُّد» في التَّعامل مع النَّصِّ المفضي إلى إقصاء المذاهب، والمدارس الأخرى، المؤدِّي إلى فرز عقائديٍّ؛ في دورةٍ فكريَّةٍ تقود في النِّهاية إلى «تعصُّب»، و»استبعاد للعقل»، و»تقديس» للمنقول.
وفي تلك التَّراكمات تبرز ظاهرة الاهتمام الشديد بالطّقوس، والتَّمسك بمبادئ غير متَّفقِ عليها لدى التَّيارات المختلفة.
إنَّ صاحبَ الدراسة يقرُّ -ابتداءً- بوجود «ألغازٍ، أو ما يشبُه الألغاز»، لامتلاء لغة الخطاب الدِّينيِّ وبيئته بالألغامِ في طرقٍ وعرةٍ وغامضةٍ؛ لكنَّ تواتر الثَّوابت في الخطاب الدِّينيِّ المعاصر، وزراعة هذا المصطلح في كلِّ منطقة يُراد حظر الحديث عنها، يجعلها تشبه الفطر الذي ينبتُ في كلِّ مكان، ويتكاثر في المناطق المظلمة، أو قليلة الضُّوء.
إنَّ الكثيرين من أصحاب السُّلطة، والمؤطِّرين للأدلَّة الإسلاميَّة، ويسايرهم في ذلك الأتباع، يردِّدُون بعض المصطلحات المبهمة، تحت تسميات منها: «الثَّوابت»، أو «المرجعيَّات»، أو «الهويَّة»، وهي مرادفات للمصطلح التَّقليديِّ «المعلوم من الدِّينِ بالضَّرورة».
ولا شكَّ أنَّ هناك تياراتٍ متعدِّدةً تتبنَّى الكثير من المظاهر السلوكيَّة المتباينة، إزاء التُّراث الدِّينيِّ من جهة، وجوانب الحياة المختلفة من جهة أخرى. ولاختلاف تأويلات ذلك التُّراث، وتعدُّد تأقلمه مع الواقع الذي يعيشه المسلم؛ فإنَّ دور الدِّين يتناسب طرديًّا مع التَّناغم ما بين ضمير المسلم، وواقعه.
وعندما يفقد ذلك التَّناغمَ، فإنَّ الدِّينَ يصبح «مجرَّد تعبير عن الحنين والأمل، وتعويض عن العجز والخيبة، ورباطٍ شكليٍّ بين أفراد الأمَّة لا يلبث أن ينقطع متى اضطلعت روابط أخرى كالقوميَّة، أو غيرها من الأيديولوجيَّات بأداء هذه الوظيفة. ومن شأن هذا المنهج أن يحملَ المؤمنين على إعادة النظر في مسلَّماتهم، أو في ما يعتقدون أنَّه من ثوابت الدِّين، فيتمُّ بذلك تجاوز المواقف الإقصائيَّة التي ما زالت تنخر العلاقات بين النَّاس؛ لاختلاف موروثهم الدِّينيِّ ومذاهبهم، وإنْ كانوا من دعاة الحوار والتفاهم؛ وممَّن يحترمونَ آراء الآخرين، وحقَّهم في التعبير عنها بكلِّ حريَّة. فأيُّ موقفٍ يتشبثُ صاحبه بفهم معيَّن يعتبره الصواب دون غيره، أو بممارسة تعبديَّة مخصوصة لا يرى عنها بديلاً، أو بسلوك دينيٍّ هو في نظره الفيصل بين الحقِّ والباطلِ، إنَّما يؤدِّي -عن قصد، أو عن غير قصد- إلى «شطب» الآخر، وإلى إضفاء الإطلاقيَّة على ما هو بطبيعته نسبيٌّ؛ لأنَّه من تأويل البشر، ومرتبطٌ بالظروفِ التاريخيَّة التي حصل فيها ذلكَ التأويل. والأجدى منه -بلا شك- هو الاستعدادُ النفسيُّ والذهنيُّ لقبول ما في الرأي المخالف من وجاهةٍ، وتعديل الموقف السابقِ في ضوئها».
وعطفًا على ذلك؛ فإنَّ «الثَّوابت» أصبحت سلاحَ مَن لا سلاحَ له من المزايدين بالدِّين، أو التَّقليديِّين الذين يريدُونَ ألاَّ تزول «عادة» يرون فضلها؛ فيضمُّونها إلى الثَّوابت، أو يتمسـَّكون بـ»عُرفٍ» اجتماعيٍّ يعتقدُونَ بأنَّهم قيِّمُونَ على بقائهِ؛ فيربطونَهُ بذلك المبدأ.
فلو تتبَّعنا مفهوم «الثَّوابت» وتغيُّره من زمن إلى آخر، ومن بيئةٍ إلى أخرى، لوجدناه فضفاضًا؛ ممَّا يدلُّ على أنَّه نتاجٌ للفكر الدِّينيِّ السَّائد في حقبة زمنيَّةٍ، أو بيئةٍ اجتماعيَّةٍ تحترمُ مجموعةً من القيم، فتنقلها إلى حيِّز الثَّوابت، فإنَّه ستوجد رزمٌ مختلفةٌ من الثَّوابت، تتأقلم كلُّ فئة من خلالها مع تغيُّرات العالم، وخصوصيَّة الفئة ومصالحها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store