كل مقال يطلع عليه القراء الأعزاء عبارة عن بحث مختصر، وفي أحد المقالات الأخيرة (حرة الوبرة) ذكرت بأن الجزيرة العربية تكثر فيها الحرات، وكل واحدة منها مضافة إلى اسم آخر مثل: حرة شوران، حرة بني بياضة، حرة عويرض، حرة خيبر، حرة ليلى وحرة رهاط، كما تتميز المدينة النبوية بتعدد الحرات حيث تحيط بها مجموعة من الحرار من جميع الاتجاهات، عدا الجهة الشمالية، وهي حرة واقم (الحرة الشرقية) من الشرق، وحرة الوبرة (الحرة الغربية)، وحرة بني بياضة، وحرة شوران، وحرة بني قريظة من الجنوب، ثم كتبت عن حرة بني بياضة (الحرة الغربية)، وأكتب اليوم عن حرة واقم (الحرة الشرقية)، وهي المراد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قد أُرِيْتُ دارَ هجرتكم ذات نخل بين لابتين «رواه البخاري. كما أن حرة واقم (الحرة الشرقية) عيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدًا للحرم النبوي من الشرق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، قال أبوهريرة: فلو وجدت الظباء بين لابتيها ما ذعرتها». متفق عليه وفي حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرّم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها» يريد المدينة. رواه مسلم. وعن أبي قتادة رضي الله عنه وفيها:...............اللهم إني قد حرمت ما بين لابتيها، كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم». رواه أحمد في مسنده، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والمراد باللابتين الحرة الغربية والحرة الشرقية، والحرة واللابة بمعنى واحد، أما تسميتها بواقم فنسبة إلى أطم من آطام المدينة، اسمه واقم، وإليه تضاف الحرة، وسميت بالحرة الشرقية لوقوعها من الجهة الشرقية للمسجد النبوي الشريف، وقبيلتا الأوس والخزرج -وهم في الأصل- إخوان وأمهم قيلة، ويطلق عليهم أبناء قيلة، قد اتخذت القبائل المتفرعة من الخزرج الجزء الشرقي للحرة الغربية مما يلي المسجد النبوي مساكن لهم، و من فروعهم بنو سلمة، وبنو دينار وبنو بياضة، وبنو عمرو بن عوف، واتخذت قبائل الأوس الجزء الغربي من الحرة الشرقية مما يلي المسجد النبوي مساكن لهم، ومن أشهرهم بنو ظفر وكان لهم مسجد معروف بمسجد بني ظفر، وبنو زريق، وبنو معاوية وفي حيهم مسجد الإجابة، وبنو حارثة، وبنو عبدالأشهل، وفي منازلهم كان حصنهم (واقم) الذي سميت به الحرة والذي قال فيه شاعرهم:
نحن بنينا واقمًا بالحرة
بلازبِ الطينِ والآجرة
وقال المرّارُ:
بِحَرَة وَاقمٍ والعِيسُ صُعْرٌ
ترى لِلُحَى جماجِمها تَبيعا
وهذه الحرار يتذكرها الشاعر مع أنه يتنقل بين بصرى وحمص وبعلبك، لأنه عاش فيها وسكن بين تلك الحرار، فموطنه أحبّ إليه من كلها:
لعمرُكَ للبلاطُ وجانباه
وحرةُ واقمِ ذاتُ المنارِ
فجماءُ العقيقِ فعرصتاه
فمفضى السيلِ من تلك الحرارِ
ويقول سعيد بن عبدالرحمن بن حسان:
عفا مكمنُ الجمَّاءِ من أمِّ عامر
فسلعٌ عفا عنها فحرّةُ واقمِ
وبهذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في سنة 63هـ. وقال محمد بن بجرة الساعدي:
فإنْ تقتلونا يومَ حرّة واقمٍ
فنحنُ على الإسلام أوّلُ من قُتِلْ
ونحنُ تركناكم ببدرٍ أذلةً
وأُبْنا بأسيافٍ لنا منكمُ نَفَلْ
فإنْ ينجُ منكم عائذُ البيتِ سالمًا
فما نالنا منكم وإن شفَّنا جَلَلْ
وفي جمادي الآخرة من سنة 654هـ - 1256م انفجر بركان هائل وخلف وراءه كثيرًا من أحجار الحرة الموجودة إلى يومنا هذا. يقول أحد المؤرخين في وصف الحرة الشرقية: «وقد شاهدنا في هذه الحرة فوهة بركانية ذات شق مستطيل جدًا، من فوق (دشم) وعندما رأيناها لأول مرة، ظننا أنها من آثار الإنسان القديم، ولكن تتبعي لشقها الملتوي أثبت في نظري أنها من الآثار الطبيعية، وبقرب طريق العُريض من هذه الحرة تلول عظيمة، من أطلال الآطام -الحصون- والدور التي كانت مشيدة بهذه الحرة. ويظهر مما سبق أهمية تلك الحرة حيث هناك عددٌ من الوقائع التاريخية قد ربطت بهذه الحرة، ومن أهمها أنها حدّ شرقي لحدود حرم المدينة.
حرة واقم (الحرة الشرقية) حد للحرم النبوي الشريف من الجهة الشرقية
تاريخ النشر: 24 نوفمبر 2016 20:23 KSA
كل مقال يطلع عليه القراء الأعزاء عبارة عن بحث مختصر، وفي أحد المقالات الأخيرة (حرة الوبرة) ذكرت بأن الجزيرة العربية تكثر فيها الحرات، وكل واحدة منها مضافة إلى اسم آخر مثل: حرة شوران، حرة بني بياضة، حر
A A