Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

علَى عَتبات الانتظار.!

الانتظار هو الجزء الضائع مِن عُمر الإنسان، والزمن الذي يذهب هباءً تذروه رياحُ الأوهام، وتعصف به عواصفُ الظنون؛ فيطير منَّا أمام أعيننا، وربما يتسرَّب في لحظات غفلة وانشغال، لنَشربَ الرُّبعَ المتبقي مِ

A A
الانتظار هو الجزء الضائع مِن عُمر الإنسان، والزمن الذي يذهب هباءً تذروه رياحُ الأوهام، وتعصف به عواصفُ الظنون؛ فيطير منَّا أمام أعيننا، وربما يتسرَّب في لحظات غفلة وانشغال، لنَشربَ الرُّبعَ المتبقي مِن كأسِ العُمر رشفةً بعْد رشفةٍ في هدوء، خوفًا مِن انتهائه ونحن لمْ نصل حدَّ الارتواء. في أزمنة الانتظار نقترف الحماقةَ في أوضح صُورِها، والغباءَ في أغرب أحواله، فنسيء إلى أنفُسِنا إساءةً لا نُدركُ فداحةَ أثرها إلاَّ في مستقبَل الأيام، لنستيقظَ متأخِّرين وقد ذهب الكثير، هذا إذا استيقظنا، وعادت لنا الذاكرة، ووصلنا إلى القليل مِن الوعي بما نحن فيه، وما جنيناه بحق ذواتِنا.
يمارس البَشرُ الانتظارَ باستمرار، فهناك مَن ينتظر غائبًا يعودُ مِن سَفره، ويتوقف نشاطُ حياته حتَّى يعود ذلك الغائب، والبعض ينتظر مِن الحظ أنْ يبتسمَ له، والأيام أنْ تضحكَ بوجهه، وهو لا يفعلُ شيئًا سِوى الانتظار، ووضْع اليدين علَى الخدَّين، فمتى كانت حياة الإنسان متوقِّفة علَى وجود شخص في حياته؟! وكيف نجح كثيرٌ مِن الأيتام وأبدعوا؟! إنَّنا مَن نشق دربَ النجاح لخطواتنا، ونحن مَن نرسم طريقَ الحظ لحياتنا بتوفيق الله تعالَى، ونلوِّن بالألوانِ الزاهية لوحةَ الأيام، أمَّا الانتظار بلا عمَل، فهو كمَن يرتجي مِن أرضه أنْ تُنبِتَ سنابلَ القمح، وهو يكتفي بالنظر إليها صباحًا ومساءً، دُون أنْ يحرث تُربتَها، ويدفنَ فيها البذور.
لو تأمَّل الإنسانُ تصرفاتِه؛ لأدركَ فداحة الضرر الذي يَلحق حياته، ولما أهدر وقته على عتباتِ الانتظَار، وقضى ساعاتِه في صالة المغادرين، ينتظر وصول القادمِين، ولعرف أنَّ هذا العبث يربط حياتَه بحياة غيره بطريقة لا منطقيَّة، ويذهب به إلى مصيرٍ مجهول. ويُستثنى مِن كلِّ ذلك الذين ينتظرون الفرج مِن رب كريم قادر، ويرسلون الدعوات والأمنيات إلى أبواب السماء، فهؤلاء لا يخيب انتظارهم -إن شاء الله-؛ لأنَّهم يرجون إلهًا عظيمًا، ويسألون أكرم الأكرمين، مع التأكيد هنا على الأخذ بأسباب النجاح، وبذْل الجهد والعمل في سبيل تحقيق الأحلام والوصول إلى الأهداف السَّامية، والغايات النبيلة.
يا رفاق الأفكار والكلمات، توقفوا عن الانتظار على قارعة الطرقات المهجورة، ولملِموا شتاتَ أرواحكم مِن على الأرصفة الباردة، ولا تقفوا تحت شمس الغياب الحارقة، اصنعوا لأنفسكم حياةً تستحقونها بعيدًا عن مقاعد الانتظار، لا تنثروا حبرَ المشاعر على أوراق الأسى، ولا ترسلوا رسائلكم إلى العناوين الخاطئة، وتنتظروا أنْ يصلَكم الردُّ، وتذكَّروا دائمًا أنَّ البعض قد ينساكم، وهناك مَن يتناساكم، فلا تنتظروا مِن الناسي أنْ يتذكَّر، ولا تمنحوا المتناسي دقيقةَ انتظار، أو لحظةَ اهتمام، استعيدوا ما ضاع منكم، اكسروا أغلالَ الانتظار، واخرجوا مِن سِجن التعلّق بالسراب، افتحوا نوافذَكم المعتمة على مناظر البهجة، ليملأ النورُ أبصارَكم وبصائرَكم، وأنعشوا قلوبَكم بأوكسجين السَّعادة والطمأنينة، فالعمر إذا مضى لا يعود أبدًا، وليس مِن الصَّوابِ أن تهدروه في انتظار مَن لا يستحق.!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store