Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المجاهرة بالرذيلة: (مرآة) لباحات (نتنة)!!

No Image

إنَّ على المجتمع أنْ يُعيد (قراءة نفسه) قراءةً تأخذ أبعادًا (تُحيط) بكلِّ ما يصدر عنه، ويتَّصل به، فكما أنَّ المجتمع (ينسى) نفسه، وكثيرًا (ما ينسى)، فهو أشبه بالأب الذي لا يعرف (خيبة) ابنه، و(صعلكته)،

A A
إنَّ على المجتمع أنْ يُعيد (قراءة نفسه) قراءةً تأخذ أبعادًا (تُحيط) بكلِّ ما يصدر عنه، ويتَّصل به، فكما أنَّ المجتمع (ينسى) نفسه، وكثيرًا (ما ينسى)، فهو أشبه بالأب الذي لا يعرف (خيبة) ابنه، و(صعلكته)، و(طيشه)، إلاَّ ساعة الضَّياع والإخفاق، ووقوع الجريرة، وحضور السَّوءة بكلِّ ما فيها من الموبقات للعقول والأبدان؛ ونسى -أو تناسى- دوره الذي يجب، بما فيه من رعاية ومتابعة.
وفي ظلِّ تداعي أدوات التَّواصل الاجتماعيّ باتت الجراءة بالسَّوءة والرذيلة، والتمادي فيهما سمتًا واضحًا في كثير من المجتمعات الإنسانيَّة، مع أنَّها لا تخرج عبثًا من فاعلها بلا مقدمات؛ كي تبرز إلى السَّطح؛ ثمَّ تصبح بعدئذٍ حكاية صالحة للرواية التَّدوير؛ لأنَّها -شئنا أم أبينا- خارجة من أرض صالحة للإنبات، وفاعلها هو النَّاطق الحيُّ بلسان المجتمع، لا أقول مدارسه، ومعاهده، وجامعاته، ومؤسَّساته فقط؛ بل بسبب من كلِّ ذلك بلا استثناء؛ بدءًا بالأسرة الصَّغيرة، وانتهاء بالمجتمع الكبير.
فإذا أقْررّنا بذلك، وبانت علامات (الخطأ) الذي لا يُعْفَى منه المذنب؛ فضلاً عن المجتمع بأسره، فقد وجب علينا أفرادًا كنّا أو مؤسَّساتٍ أن نُعد تنظيم أنفسنا، وترتيب أوراقنا بين الحين والحين.
فما أجملنا، ونحن نُرسل نظراتٍ صادقةً ناقدةً في جوانبنا؛ لنتعرَّف على عيوبنا وآفاتنا ومواجعنا، ونقرُّ بتبعات أخطائنا، وسوءاتنا.
وما أسعدنا، ونحن نُعيد تصنيف أولويَّاتنا الأخلاقيَّة والسلوكيَّة، ونتحسَّس مَوَاطِن الخلل، فنستعجل العلاج النَّاجع لها، ومَوَاطن الصَّلاح فنهبُّ جميعًا لتعزيزها وتقويتها، وما أسعده من مجتمعٍ، وهو ينشر أدوات العلاج؛ ليتخلَّص من الزَّلات التي تزري به.
في كلِّ المجتمعات -بلا استثناء- مَوَاطن خللٍ (مرْتَبكة) وهزيلة أخلاقيًّا وسلوكيًّا!!، وفي كلِّ المجتمعات بواعث فوضى حاضرة بأسبابها البائنة، أو المطمورة!!
أليس من واجب الفضلاء والعقلاء تصنيف هذه المهازل والسلوكيَّات الخاطئة، وعلاجها، والتَّحذير منها؟!
أليس من الواجب اللازب معرفة أسباب هذه الفوضى، والبحث عن علاجٍ مثمر لها؟!
ألا يستحق مجتمعنا أنْ يتعهَّده أولو الألباب شأنًا.. شأنًا، وخللاً.. خللاً بين الفينة والفينة؛ ليروا ما يعتوره من اضطراب، وما لحقه من سوءة؛ فيسعى الصَّادقون لنفيه وإزالته، وبعث الجديد النَّافع مثلما تُنفى (القمامة) عن الساحات (الطَّاهرة)، ومثلما تُزرع (الوردة) العطرة في الباحات (النَّتنة)!!
أليس من الواجب أن نراجع الأشواط التي قطعناها، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر؛ كي نسقط بالسُّلوك الحق أدوات التَّوازن، وبساط الاعتدال كلَّما لاح في الأفق بوادر خلل وعوج؟!
إنَّ الكيان الاجتماعيّ قلَّما يبقى متماسكًا في ظل حدَّة الاحتكاك والتَّواصل الكونيِّ، ووجود صنوف الشَّهوات والمغريات، فإذا تُرك «لعوامل الهدم تنال منه، فهي آتية عليه لا محالة، وعندئذٍ تنفرط المشاعر العاطفيَّة والعقليَّة كما تنفرط حبَّات العقد إذا انقطع سلكه».
إنَّ من ضرورات الحياة الاجتماعيَّة السويَّة العمل الدَّائم لتنظيم هذه الحياة، وإحكام الرّقابة عليها.
وإنَّ على المجتمع السويِّ أن ينظر إلى كل مجاهر بالرَّذيلة على أنَّه خللٌ لا في المجاهر وحده؛ بل في البُنية الاجتماعيَّة بأكملها.
وإنَّ على المجتمع أنْ يحزنَ أشدَّ الحزن، لا لذلك المجاهر في ذاته فقط؛ بل إلى الجرم الذي ارتكبه، والسوءة التي كشفت عن نفسٍ مريضةٍ تحتاج إلى علاجٍ ينال البُينة الاجتماعيَّة كاملةً.
وإنَّ على المجتمع أن يستأنف النَّظر في هذا الخلل، لا من زاوية التَّشخيص؛ بل من خلال الغوص في عمق الخلل؛ بحثًا عن علاجٍ ناجعٍ حتَّى يصبح مجتمعًا سويًّا لا أقول ملائكيًّا؛ ولكنَّه بشريٌّ يعتوره ما يعتور البشريَّة من الهنَّات والزَّلات.
هنا يصح القول: إنَّ (المجاهر بالرَّذيلة) أيًّا كانت، قد تكون مدعاة خير لنا في أحوالنا الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة؛ كي نثوبَ إلى جادَّة الطَّريق، تنقيبًا لما يصوننا من العلل والأمراض.
وإنَّ النَّاظر بعين الْفَحص، لا عين الشماتة، لا ينظر إلى صاحب الجرم؛ بل إلى النبتة (النَّتنة) التي نبتت في مجتمع (غافلٍ)، هو في أمسِّ الحاجة إلى الرِّعاية والتَّصحيح والتَّعهد؛ يُنْبئنا عنه بصدقٍ (رذيلة) أحد أبنائه مجاهرًا بسوءته، ناشرًا سوءاته مع ما فيها من: (قبح)، و(سوء)، و(قلَّة أدب)!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store