لا أذكر تحديداً متى بدأ مؤتمر «الحوار الوطني» التشكل والظهور؛ ولكنَّني أفهم جيّدًا أنَّ إقامة مثل هذه الملتقيات مدعاة إلى فتح آفاقٍ جديدة في التّعاطي مع كلّ القضايا الوطنيّة، وإشراك الجميع فيها دون استثناء، حتّى وإنْ بدت على البعض نبرة الحدّة في تعليق بعض الأجراس المعلّقة، فالعقلاء دوماً يُقدِّمون حسن النّوايا كدعوة صادقة للخروج من عنق الزّجاجة المصنوع من زمنٍ بعيد.
مرّت سنوات وهذه الملتقيات تنفث في كلّ القضايا الشّائكة ممّا يتماس وهموم الوطن؛ ولكنّها في الجملة تدار في باحة لا يسمعها إلاّ أصحابها، حتّى غابت الرّؤية الواضحة منها، وانسحب هذا الغياب إلى لغة الحوار والتّفاعل والمشاركة، ما حدا بالبعض إلى الزّحف عنها- وهم كثرة- نحو منافذ جديدة تعطيهم الحقّ في التّعبير والتّعاطي مع كلّ هم وطني، أو ديني، أو طائفي دون خوف أو وجل، حالهم كحال من يستنشق الهواء النقي في الباحة الغناء.
في مقال سابق قرأت ما كتبه الزّميل الدكتور عبدالرحمن العرابي في مقالته نشرت في هذه الصحيفة بعنوان (مشاركة لا حوار)، فأثنيت على ما طرحه في كلمتين، ثمّ قلت في نفسي بعد أن خلصت من المقال: «.. ويا ليت قومي يعقلون!!».
عليكم - فقط- أن تعودوا إلى المقال، وتتمعّنوا في سطوره، كما عليكم أن تمعنوا النّظر في قول الدكتور العرابي فيما سأنقله بنصه؛ يقول:» الحوار الحقيقي هو ما نراه اليوم من خلال وسائل الإعلام الجديدة التويتر والفيس بوك والواتس أب رغم كثير من الغث، لأنها انعكاس فعلي للتفكير المجتمعي العام وبطريقة غير «رسمية»، بل هو حوار تفاعلي يتيح للإنسان الوقت والزمن الكافي لإبداء رؤيته موافقاً أو معارضاً، مستقلاً أو مشاركاً، أما أن يكون مؤطراً كما هو حال الملتقى، فهذه مشاركات وليست حوارات، وكل مشارك أو مشاركة ليس له هم سوى الحديث في الميكرفون حتى وإن لم تتعدَ دقائق حديثه الدقيقتين، وهو ما يستدعي إعادة نظر شاملة ليتم تأسيس حوار حقيقي بكل تفصيلاته إدارةً وتنفيذاً ومشاركة».
فهناك (إعلام جديد)، وهناك (انعكاس فعلي)، وهناك (حوار تفاعلي)، وهناك (زمن كاف)، وهناك، (استقلال)..؛ فضلاً عن مجموعة من الرّؤى الثّاقبة التي نادى بها المقال كان حريّاً بالقائمين على المؤتمر إعادة النّظر في كلّ ما يصدر منه وعنه!
إننّي أستطيع أن أراهن مراهنةً لا تسقط عنّي تقديم حسن النّوايا في كلّ القائمين على المؤتمر بأنَّ البعض منهم لم يقف على ما تبثّه عوالم التّقنية من قضايا، وما تثيره من إشكالات، وما تطرحه من هموم، هي في الجملة، تشكّل هاجسًا وطنيًّا يستحق الحوار والنّقاش والإثارة.
كما أننَّي أستطيع أنْ اقسم بالله أنَّ بعض القائمين على أمثال هذه المؤتمرات لا يعرف من سمْت التّقنية إلاّ ما يعرف كاتب هذه السّطور من عوالم الطّب وما يصحبها من عمليّات وما يتبعها من روشتات.
أنا هنا لا أقلّل من جهد القائمين على المؤتمر ولا أشكّك في غيرتهم الوطنيّة؛ ولكن بقدر ما يُحْمد لهم هذه البوادر الطّيبة في تشكيل الوعي المجتمعي، وتفهمي الجيّد لحجتنا إلى الملحة للحوار، بقدر ما يحمدون لو أنّهم أخذوا بناصية العوالم الجديدة ما يثار فيها من قضايا تشكّل بعداً خطيرًا في تفكير وأفهام جيل مغاير لم يسمع بمثل هذه الملتقيات؛ ناهيك عن الأثر الذي ستحدثه في ساحتهم العقلية الفكرية وما يتبعهما من محاسن الحوار وثمراته في العاجل الآجل..!!
«الحوار الوطني»: عين لاهية.. وأذنٌ غير واعية!!
تاريخ النشر: 15 ديسمبر 2016 21:56 KSA
لا أذكر تحديداً متى بدأ مؤتمر «الحوار الوطني» التشكل والظهور؛ ولكنَّني أفهم جيّدًا أنَّ إقامة مثل هذه الملتقيات مدعاة إلى فتح آفاقٍ جديدة في التّعاطي مع كلّ القضايا الوطنيّة، وإشراك الجميع فيها دون اس
A A