نُقْبِل دَائمًا عَلى مَا يُسمَّى بـ"البُوفيهِ المَفتوح"، حَتَّى نَتمتَّع بالخيَارَات المُتعدِّدة في الطَّعَام، والمَوائِد المُتنوِّعة.. هَذا التَّعدُّد فِي الطَّعَام؛ أَتمنَّى أَن يَمتَد إلَى التَّنوُّع فِي الآرَاء والأفكَار، بحَيثُ نَعتبر كُلَّ فِكرَة، وَجبَة شَهيَّة مِن الطَّعَام، وبهَذا تَنتهي صِرَاعَاتنا الفِكريَّة، ومَعَاركنا الثَّقافيَّة..!
دَعونَا نَذهَب إلَى فَرنسَا، ونَرَى كَيف أَنَّ الآرَاء هُنَاك مُتعدِّدة، بسَبَب أَنَّ الأَطعِمَة مُتعدِّدة، ولَو أَخذنَا عَلى سَبيل المِثَال "الجُبن".. هَذه الشَّريحَة التي أُحبُّها ويُحبُّها مِثلي مَلايين البَشَر، ولَا أَتصوَّر نَفسي مُتناولاً للإفطَار؛ مِن غَير حضُور السيِّدة "جُبنة"..!
ومَمَّا يَدلُّ عَلى دور تَعدُّد الأجبَان؛ في التَّشجيع عَلى تَعدُّد آرَاء الفرنسيين، مَا وَرَد فِي المَراجع والمَصادر مِن أَنَّ (الجُبنَ الفرنسيَّ يُمثِّل هَويَّة الفرنسيين، وجُزءًا أَسَاسًا مِن الثَّقَافَة الفرنسيَّة، مُنذُ زَمنٍ طَويل، وهو أَحَد مَعَالِم فَرنسَا، إذْ لَا تَقلُّ أَهميَّته عَن "الموضَة"، وبُرج "إيفل"، ويَرجع تَاريخه إلَى 800 عَام، وتَزيد أَنوَاعه عَلى 400 نوع، حَيثُ يَشتَهر كُلُّ إقليم فرنسي بنَوعٍ مِن الجُبن يُميِّزه عَن الآخَر، كَمَا يَتمُّ تَسمية أنوَاع الجُبن بأسمَاء الأقَاليم)..!
وفِكرة تَأثير تَعدُّد الأجبَان عَلى تَعدُّد الآرَاء، واختلَاف الاتِّجَاهَات الفِكريَّة والسِّياسيَّة عِند الفرنسيين لَيست جَديدة، والدَّليل أَنَّ الزَّعيم الفرنسي "شارل ديغول"؛ قَال ذَات مَرَّة مُداعِبًا: (كَيف يُمكن أَن أَحكُم بَلدًا فِيهِ 300 نوع مِن الجُبن؟)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُؤكِّد -مَرَّة أُخرَى- عَلَى أَنَّ تَعدُّد الأجبَان عِند الفرنسيين، انتَقَل إلَى مَائِدة الحِوَار، ليَنعَكس عَلى الآرَاء والرُّؤَى والتَّوجُّهَات، لذَلك تَجد الفسيفسَاء الفِكريَّة في فَرنسَا مُتنوِّعة ومَقبولَة، وهَذه إحدَى مَزايَا الجُبن هُنَاك.. أَمَّا العَالَم العَربي، فلَم يَختَرع إلاَّ نَوعًا وَاحِدًا مِن الجُبن، الذي يُنتَج خصِّيصًا في مَصنع الخَوف، لتَشعُر بالفَزَع حَتَّى مِن ظِلَّك..!!