في أركان جَامعتي، تنتشر لوحاتٌ وعْظِيَّةٌ بَثّتْهَا الهيئة الوطنيَّة لمكافحة الفساد (نَزاهَة)؛ فيها عبارات رَنَّانَة تؤكِّد على خطورة الفساد، مستشهدةً بآياتٍ قرآنيَّة كريمة، وأحاديث نبويَّة شريفة.
وهنا مع (تقديري لهيئة مكافحة الفساد)؛ لكن يبدو أنَّها ابتعدتْ عن مَسَار الهدف الأسمى من إنشائها، وهو الحفاظ على الحَقِّ والمال العام، والكشف عن لصوصه (كائِنًا مَن كَانوا)؛ وتقديمهم للعَدالة؛ وذلك بالبحث خلف الأبواب المغلقة، والتفتيش داخل دهَالِيْز الملفات المظلمة، وأيضًا سَنّ القوانين والأنظمة التي من شأنها أن تُغْلق الأبواب في طريق مُريدي ومُثِيري الفَسَاد في الحاضر والمستقبل.
فما نلمسهُ من العزيزة (نَزاهة) حتَّى الآن أنَّها تستنزف جهودها، ووقت منسوبيها في أمور جانبيَّة، لن تُحَرِّكَ شعرةً من أركان الفساد، وهواميره، كالزيارات لهذه المؤسَّسة وتلك، وكذا المحاضرات والندوات والمؤتمرات، وهناك خطابات المجاملات، والعبارات التوعويَّة بالإعلانات الإعلاميَّة واللوحات.
فالمجتمع ليس فاسدًا حتَّى تُبعَثْ له تلك الرسائل مدفوعة الثَّمَن، وأفراده يمتلكون الثقافة وسِعة الاطِّلاع التي تجعلهم يدركون تمامًا وجوه الفساد الإداري والمالي وأساليبه، ولكنَّه (أيّ المجتمع) عاجز عن الوقوف في طريق مَن يفرضونه في بعض المؤسَّسات الحكوميَّة الخَدميَّة؛ وأولئك لا أعتقد أنَّهم ستنزل عليهم السكينة، وتصحو فجأةً ضمائرهم بمجرد سماعهم، أو قراءتهم لتوصيات مؤتمر، أو توجيهات توعويَّة من محاضرة، أو لوحة إعلانيَّة.
يا (نَزاهة): لقدْ تشبَّعنا من التنظير، والكلمات، والإستراتيجيَّات؛ أرجوكم، وتَكْفَون -حتَّى لا تفقدوا ثِقَة مَن آمنوا بكم- مَارسوا بأنفسكم دوركم الحقيقيّ والفَعَّال، افعلوا ذلك مستفيدين من نظام حماية المال العام الذي وافق عليه مجلس الشورى الأسبوع الماضي، ومِن التجارب العالميَّة في هذا الميدان.
أمَّا المواعِظ فاتركوها فضلاً لوزارة الشؤون الإسلاميَّة، وتلك المؤتمرات، والندوات، والدِّراسات، دعُوهَا للجامعات والمراكز البحثيَّة.
أخيرًا اعذروني؛ فكلَّما شاهَدتُ مَواعِظَ، ومحاضراتِ (نَزاهَة) تَذكَّرتُ الحكمةَ المِصريَّةَ: (قَالوا لِلْحَرَامي احِلِفْ، قَال: جَالَك الفَرَج).!