اللافت للانتباه أن البعض يتداول عبارة ( أنت ليبرالي أو فلان ليبرالي ) ويقيني أن الغالبية العظمى من المتداولين لهذه العبارة يجهل معناها الحقيقي وخاصة من يستخدمها منهم كشتيمة للآخرين أو حتى مزحة ،ولتوضيح ذلك اللبس أقول إن الليبرالية التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي وهي الفترة التي تدخل ضمن مرحلة عصر النهضة في أوربا والتي كان من سماتها محاربة الاستبداد الديني والسلطة السياسية المطلقة، ولتوضيح مفهومها أقول إن المعنى الحقيقي لليبرالية قد اشتُقَّ من الكلمة الانجليزية
liberty) ) ويقصد بها الحرية التي تقوم على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقه بالحياة وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة ولو نظرنا الى تلك المكونات اللفظية لوجدناها من أهم المبادئ والقيم التي قام عليها ديننا الحنيف ،لكن المؤكد أن ذلك المفهوم يعد مفهوماً مطاطياً يتمدد ويتسع حسب المحددات الشرعية والاجتماعية والنظامية التي تحيط به وتحكمه ،فمثلاً الحرية في البلاد الإسلامية تنضوي تحت محددات الشريعة الإسلامية وتحت محددات العادات والتقاليد والأنظمة المؤسسية ولايمكن بأي حال من الأحوال أن نساويها بالحرية في البلدان الاشتراكية أو الرأسمالية .وبما أن الليبرالية تمثل هذا المفهوم فهي أيضا في مفهومها تختلف باختلاف أنظمة البلدان وشرائعها وعاداتها وتقاليدها ،لذا لايمكن أن نقول إن كل ليبرالي ينادي بالحرية المطلقة التي تخرجه من الملة أو قد تخرجه عن نطاق الأنظمة المؤسسية وعن عاداته وتقاليده الاجتماعية ،فعلى سبيل المثال نجد أن الليبرالية حسب المفهوم الاسلامي والتي تأتي انطلاقاً من مفهوم الحرية نادى بها ديننا الإسلامي في الكثير من المواطن كما في قوله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرشد من الغي ) وقوله تعالى ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) وقوله تعالى ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ولا ننسى ما نادى به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من قيم تنادي بالحرية والمساواة يأتي في مقدمتها تحرير الرقيق من الاضطهاد والظلم الجاهلي ودعواته المستمرة لمحاربة الظلم والاستبداد كما لاننسى القول المأثور للخليفة الفاروق رضي الله عنه الذي قال فيه « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟»
وانطلاقاً من هذه القاعدة نستطيع القول إن الليبرالية ( الحرية ) لايمكن أن تطلق على عواهنها وكيفما اتفق كشتيمة أو انتقاص من الآخرين بل علينا التحري والدقة في إطلاقها كون ذلك الانفلات في إطلاقها قد يفضي بنا الى التشتت والتفرق والتصنيف الممقوت الذي نهى عنه ديننا الإسلامي كما أنه سيوحي للغير بأن ديننا الحنيف يحث على التسلط وكبت الحريات وهذا ماسيستثمره أعداؤنا بالقدح في تعاليم ديننا وخاصة في ظل بعض الممارسات المشينة التي يقوم بها المكفِّرون والمفجِّرون والقتلة من الدواعش والقواعد ومن في معيتهم من حاملي فكر التشدد. والله تعالى من وراء القصد.