Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

الخطوة الأُولى..!

A A
لا يخلو الإنسانُ مِن أحلامٍ تَسْكُنُ عقلَه، ولا تكاد تُشرقُ شمسُ يومٍ إلاَّ ارتسمتْ في خيالِه أمنياتٌ جديدةٌ، تُحدِّدُ معالِمَ حياتِه، وتُشكِّلُ لها معنًى مُهمًّا، والفَرْق بيْن مَن يكتفي بالأحلامِ والأمنيات فقط، وبين مَن يضعُ لها خطةً وتصوُّرًا، أنَّ الشخصَ الثاني بادَرَ إلى الخطوةِ الأولى، وبدأ طريقَ طموحِه بالأملِ والثقةِ، بينما وقف الأوَّلُ حالمًا عاجزًا، ينتظر حدوثَ المعجزاتِ لتُحقِّقَ أحلامَه، والأمر لا يتوقفُ على صعوبة الأمنية، أو حتى استحالة حُدوثها، بل يتوقف على قُدرة صاحِبها مِن التقدُّم بشجاعةٍ نحو البداية المهمَّة، وخلْع ثياب الخوف والتردُّد، والتخلُّص مِن الهواجس السلبيَّة، واتخاذ التفاؤل رفيقًا ملازِمًا، ووضْع الحلول والخيارات البديلة عند التعثُّر أو الفشل.

ولا شكَّ أنَّ التردُّدَ والخوفَ يأتيان كأهمِّ المعوِّقات لوصُول الإنسانِ إلَى هدفه، فإذَا كان للتردُّد سببٌ منطقيٌّ، فالواجب أنْ يبادرَ الشخصُ للبحث في ذلك السّبب، ومحاولة معالجتِه بالطريقة المناسِبة لإمكاناته، وكذلك الحال مع الخوف، فربما كان خوفًا مَرَضيًّا يستوجبُ العلاج، أمَّا إنْ خافَ الفردُ خوفًا طبيعيًّا مِن النتائج، فالحلُّ بالاستخارة والاستشارة، والعودة لأصحَاب الخبرات السابقة، سواء كانت خبرات ناجحة أو فاشلة؛ لأنَّ للنجَاحِ أسبابَه وللفشلِ أسبابَه، وبمعرفتها جميعًا يكتسب الشخصُ معلوماتٍ تختصرُ عليه الكثيرَ مِن الوقت والجهد، وما أَجمل قول الشاعر:

إذا كنتَ ذا رأيٍ فكُنْ ذا عَزيمةٍ

فإنَّ فسادَ الرأيِ أنْ تَتردَّدَا

الثقة بالنفْس سلوكٌ مهمٌّ، يساعدُ الصغيرَ والكبيرَ على اتخاذ الخطوة الأولى في أيَّة فكرة، ويدفعه إلى الأمامِ بخطواتٍ واثقةٍ، ورؤيَةٍ واضحةٍ، وهُنا يأتي دورُ أفراد المجتمع على اختلافِ مواقعهم، سواء في المنازل، أو المدارس والجامعات والشركات، مِن خلال زراعة الثقةِ في نفُوس الصّغار والكبار، مِن تلاميذ ومتدرِّبِين وموظَّفِين، وتجنُّب التوبيخ والتحقير والتقليل مِن قُدراتهم.

في القصَّة الشهيرة عن القائد العسكريِّ الفرنسيِّ «نابليون بونابرت» أنَّه سُئل: كيف استطعتَ أنْ تُولِّد الثقةَ في أفرادِ جيشِك؟ فقال: كنتُ أرُدُّ علَى ثلاثٍ بثلاثٍ: مَن قالَ: لا أَقدر، قلتُ لهُ: حاوِل، ومَن قالَ: لا أَعرِف، قلتُ له: تعلَّم، ومَن قالَ: مستحيل، قلتُ له: جَرِّب.!

وتَبقَى الخطوةُ الأولى الفيصَل بيْن الحالمِين وأحلامِهم، فإذا تقدَّموا إليها؛ اقترَبوا مِن تحقيقها، وهي حَجرُ الأساسِ الذي تُبنى عليه قِصصُ الحُبِّ الناجحة، لأنَّ التردُّد هو الجِسرُ المتأرجحُ بيْن المحبِّين، والطرَفُ العابرُ له سيهدي ذاتَه ومَن يُحِب شُعورًا بالطمأنينة والثقة، وفي الحديث الشريف، يقول سيِّدُنا ونبيُّنا محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَحِلُّ لمُسْلمٍ أنْ يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان، فيُعْرِضُ هذَا، ويُعْرِضُ هذَا، وخيرُهُمَا الذِي يَبدأُ بالسَّلامِ». إنَّ الخطوةَ الأُولى بيْن المتخاصِمِين مفتاحُ الحَلِّ لسوءِ تفاهُمهما، والحكيم الشجاع مَن يُبادرُ باتِّخاذِها نحو رفيقِه وقريبِه، كَم مِن أفكارٍ ماتت في مهْدِها، ومواهب ذبُلَتْ أمامَ أعيُن أصحابها، وحُبٍّ شاخَ في عِزِّ شبابِه؛ لأنَّنا لمْ نتقدَّمْ باتجاهِ الخطوةِ الأُولى.!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة