Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

أنا متأكِّد.!

A A
جَرِّبْ ذاتَ يومٍ، أنْ تَسألَ عَددًا مِن أصدقائكَ سؤالاً، تعلَم يقينًا أنَّ بعضَهم لا يعرفُونَ إجابتَهُ، ثمَّ استمِع إلى إجاباتِهم المتنوِّعة، ستلاحظ أنَّ الغالبيةَ منهم أجابُوا في الحالِ، سواء كانَ السؤال ضمن تخصُّصهم الدِّراسيّ، أو خارجه، وسواء مرَّتْ عليهم القصَّةُ، أو المعلومةُ سابقًا، أو لمْ تطرُق مسامعَهم مِن قَبْل، ولو سألتَ واحدًا مِن الذين أجابُوا إجابةً خاطئةً: هلْ أنتَ متأكِّدٌ؟! لأجابكَ سريعًا، وبثقةٍ كبيرةٍ: طبعًا، أنَا متأكِّد مِن صحةِ إجابتي، وربما يغضب منك، لأنَّك قلتَ له ذلكَ، ويعتبر الأمرَ إهانةً شخصيَّةً له وتشكيكًا في صِدقه، ولأنَّه، أيضًا، لمْ يتعوَّد أن يُسألَ عن صحة ما يقول أو يَطرح مِن أفكار.

في المجالس الخاصَّة والعامَّة تسمع العجبَ العُجابَ مِن الأحاديث والقصص المكذوبة، فهذا ينقل عن شخصٍ، يصفه بالثقةِ، قصةً تمتلئ بالتناقضات واللا منطق، تبدأ بدايةً غريبةً، وتنتهي نهايةً أَغرب، وفي تفاصيلها الكثير مِن الخَيَال، وذاك يحكي حكايةً لا صحةَ لها ولا سند، سوى أنَّه قرأها في مجموعات واتساب، وبناءً على تفكيره، فإنَّ واتساب مصدرٌ موثوقٌ لديه في المعلومات والحقائق العلميَّة، بينما يلوذ بالصَّمتِ أصحابُ العَقل والحكمة والعِلم الصحيح، وهُم الذين قضوا حياتَهم في رحابِ الإيمان والمعرفة، ينهلون مِن العلومِ النافعة، مقِيمين في أوطانهم، أو مسافرِين خارجها، ويتركون المجالَ لمَن مَرجعه فيما يقول أصحابه في الحضر والسَّفر، وزملاؤه في محيط العمل.!

إذا سُئل الإنسانُ عن أمرٍ ليس متأكدًا مِن صوابه، وأجاب بأنَّه لا يَعلم، أو غير متأكِّد، فهذا لا يَنتقص منه، ولا يُظهره بمظهر الجاهل، على العكس تمامًا، إنَّ احترامه يزيدُ في عيون مَن يعرفُونَه، وثِقتهم به تزدادُ رسوخًا، ولهذا قال الأوَّلون: مَن قال: لا أدري، فقد أفتى، وقرأنا أنَّ: «لا أعلم»، تُعتبَر نِصفَ العِلم، وتعلَّمتُ مِن أمِّي حفِظها الرحمن، ومتَّعها بموفور الصحَّة والقوة هذا المَثل: «كلمة مَدري تَرْفَع قَدْري»، وهي حقيقةٌ كالشمسِ سُطوعًا، فكَم جرَّ التعالُم على أصحابه الكثيرَ مِن المواقفِ المحرِجة، وأوقعهم في المآزقِ العِلميَّة والاجتماعيَّة، ذلك أنّ المفترَض بالشخصِ الحَصيف التيقظ، والتثبُّت لما يقول ويَنشر مِن أفكار.

ليت الإنسانَ يتخلَّص مِن الرغبة الملحّة في لفْتِ الأنظار إليه، ويتحاشى شهوةَ الحديث بلا توقُّف في المجالس ووسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وينشغل بإصلاح نفْسه، ومراجعة أخطائه، فالله تعالى خَلَق لنا أُذنين، ولسانًا واحدًا؛ لنستمع أكثر ممَّا نتحدَّث، فكيف إذا كان الحديثُ منفلتًا مِن قُيودِ الأخلاقِ والمعرفة؟!

مِن أَجمَل العِبارات التي قرأتُها في زمنٍ مضى، هذا الكلام المنسوب للعالِم اللغويِّ الكبير: الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله-: «الرِّجال أربعة: رجُلٌ يدري، ويدري أنَّه يدري، فذلك عالِمٌ فاسألوه.

ورجُل يدري، ولا يدري أنَّه يدري، فذلك غافلٌ فذكِّروه. ورجُل لا يدري، ويدري أنَّه لا يدري، فذلك جاهلٌ فعلِّموه.

ورجُلٌ لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري، فذلك أحمقٌ فاجتنِبوه.!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة