Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

الحاجة إلى الحُب..!

A A
الحُب ليس ترفًا كما قد يظن البعض، أو مجرَّد أشعار ورسائل خالية مِن النبض والإحساس، يتناقلها الناسُ فيما بينهم صباحًا ومساء، يكتبونها لغرض التسلية وإشغال الوقت، يقرؤونها؛ فلا تحرِّك عواطفَهم، ولا ترتجفُ لها مشاعرُهم، إنه الشعور الإنساني النقيّ، الذي يصل بين القلوب والأرواح، ويربط المحبّين بروابط وثيقة، نُسِجتْ من الوفاء والثقة واليقين، روابط لا تزعزها الظروفُ مهْما تغيّرتْ، ولا تنقضها المسافاتُ ولو تباعدتْ، الحب هو السفينة الرأسية على أمواج الحياة المتلاطمة، تثور الأمواجُ وتهدأ، وتُبحِر السفينةُ عامرةً بالأمان والطمأنينة، تأخذ مسافرِيها إلى شاطئ الأمان، لا ينالهم خوف، ولا يصيبهم أذى.

تتعدّد أشكالُ الحب، وتتنوع مصادره، ويأتي الكلامُ المسموع والمكتوب كواحدٍ مِن أهم طُرق التعبير عن الحب، حتى إنّ أحدَنا يشعر بوخزةٍ في صدره، إذا مرّت عليه المناسَباتُ السعيدة أو المؤلمة، ولم يجد إلى جواره محبًّا صادقًا ومواسيًا مشفِقا، وهنا وقفة صغيرة وسؤال مهم، ماذا عن الذين لا يجيدون التعبير عن مشاعرِ الحب، فليسوا مِن قبيلة الشعراء والكُتاب، ولا يَحْملون الريشةَ والألوان، وكَم سمِعنا هذا يقول: إنها لمْ تقل لي يومًا كلمة: أحبك، وهي تشتكي منه ذات الشكوى، وتصفه بجفاف المشاعر، مهلاً يا قوم، فما هكذا تُورَد الإبل، وكِلا الطرفين على خطأ واضح، ليس الحب كلامًا يُقال فقط، مع أهمية الكلام لعواطفنا، ولكن هناك النظرات الحانية، والأفعال الإيجابية، فكم لفتة رَدّت لقلوبنا النبض، وكَم مِن الأفعال والهدايا الصغيرة التي صَنعتْ لحياتنا معنى.!

كلّنا بحاجة إلى الحُب على اختلاف أعمارِنا وأحوالنا، ومِن المفاهيم الخاطئة ارتباط الحب ببدايات الزواج، أو ما يسمّونه شهر العسل، وماذا عن بقية الشهور والسنوات؟! هل تمضي باردةً كئيبة؟! لا طَعم لها ولا رائحة؟! الزواج والأخوّة والصداقة علاقات إنسانية يدعمها الحب، ويجعل لها متعة، تشعر بها جميعُ الحواس، فمع الحب تستمر تلك العلاقات وتدوم، وبدونه تندثر وتتلاشى مع مرور الزمن، وهذه مسؤوليتنا في حُسن المعاملة، واحتوائنا لبعضنا بالاحترام والرفق والمودّة، وكلما تقدّم الإنسان في السن، وتعرّض لظروف المرض والوحدة والغربة، يصبح أشد حاجة للحُب، ويتنازل عن أمورٍ كثيرة مقابل أن ينعم بالقُرب مِن أُسرته وجيرانه.

لا يتوقف مفهوم الحُب على محبة الأشخاص لبعضهم، بل يتّسع ليشمل معانٍ كثيرة، تحدّث عنها الوزيرُ والسفير والأديب السعودي الراحل الدكتور: غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمه الله - إذ قال في كِتابه: «قصائد أعجبَتْني»: إنّ الذين يُصرّون على الخلط بين النزوات الجنسيّة، وهُم للأسف كثير، سواء كانوا مِن المتزمّتِين في القدماء، أو مِن أتباع «فرويد» في المحْدَثِين، يسيئون إساءةً لا يتصورون أبعادَها إلى الحب نفْسِه، وإلى الأعمال الفنّية التي تتحدث عن الحب،...، الحب أبو العواطف الإنسانية وأبو التأريخ البَشري: الدِّين في جوهره حُب الله، والقوميّة حُب الوطن، والفلسفة حُب الحقيقة، والسياسة حُب السُّلطة، والعِلم حُب الاكتشاف.!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store