Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الرحيل

No Image

A A
أسمحوا لي أن أقدم لكم مقالاً خاصًّا، فكرته مستوحاة من قصة واقعيَّة، دونتها ابنتي (إيمان) بقلمها بعد ما عاينتها بعينيها، وعاشت مراحلها ماضيًا وحاضرًا، إنَّها قصة الجد الحنون العطوف الوفي والمخلص، إنَّه مثال يحتذى به في مجالات عديدة، في الصدق والوفاء والكرم والإخلاص، في الحب والتفاني والتضحية، حسن العشرة، إنَّه جدُّها لوالدتها، جدٌّ -في نظرها وفي نظر الجميع- لا يشبه الجدود، وليس لحبِّه ووفائه لأمِّ عياله حدود، والتي رحلت عنه قبل أربعة أعوام إلى جوار ربها، أصبح لا يهنأ له العيش بدونها، ولا يستطيع رؤية أو زيارة الأماكن التي كانا يزورانها سويًّا، يعيش على بعض لقيمات، حيث إن الأكل بدونها ليس له طعم، وإنَّما يأكل ليعيش ليؤدِّي عبادة ربه، لا يهنأ إلاَّ بالوقوف بين يدي الله، تجده في المسجد، وفي بيته قائمًا لله، ساجدًا، أو راكعًا، حديثه قليل، وذكره لربه كثير.

الابنة استطاعت نسج هذا المقال لكلِّ مَن فَقَدَ حبيبًا أو صديقًا، لعلَّه يلامس قلبَ مَن مرَّت عليه نفس الظروف أو المواقف، أترككم مع مقال ابنتي إيمان:

«لا بدَّ للمسافر أن يعود إلى وطنه، لا بدَّ للسفينة أن ترسو، ولا بدَّ لساعة الرحيل أن تدق.

إنَّ انتقال المحبوب إلى الدار الآخرة يسلب المحبَّ كثيرًا من متع الحياة، التي كان يعيشها في وجود محبوبة، فتفقد نفسه المتعة التي ألفتها في الأشياء معه، حتَّى تجعله يلجأ إلى النفور منها، ويزداد ذلك النفور يومًا بعد يوم لما تحمله تلك المتع في طياتها من قصص، ومعانٍ أصبحت أشبه ما تكون من عالم الخيال.

تشكِّل دماملَ وندوبًا في قلب المحبِّ كلَّما ذُكِّر بها زادته ألمًا على ألمه، ووجعًا على وجعه، وكلَّما حاول أن يهرب يباغته طيفها في كل مكان، في كل موقف، في كل ساعة، في كل لحظة.. فلا الهروب مُجدٍ، ولا المتعة ما زالت تسعد، كأنَّ لذتها توقفت عند آخر لقاء، عند آخر موعد، عند آخر عناق.

فيسير في نفس الطريق الذي سار فيه معها لعلَّه إن سار في نفس الطريق يراها ويجعل يستوحي الوجوه، فربما تلوح له بين الوجوه عيناها.

حياة غريبة، عالم آخر محفوف بالمجهول، يُرغِم الإنسان بعد التعلُّق بالأبدان والأرواح إلى التعلُّق بالروح فقط. أقصى ما يستطيع عمله هو أن ينام ليراها في أحلامه، لتتحدث هي إليه، لتداعبه، لتقص عليه بخبرها وتناجيه. فيُقبِل عليها ويمدّ يده إليها، حتَّى يبلغ غاية المنتهى، ثم يستيقظ فجأة، فيجد نفسه على سريره، مكبَّلاً في سلسلة أوهامه، غارقًا في بحر دموعه، لم يبق له من أثرها شيء إلاَّ تلك النشوة التي سكنت بداخله وعصفت بوجدانه».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store