Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قسوة الكِبار تصنع الأشرار

No Image

A A
تطوَّرت الحياة في مجالاتٍ عديدةٍ، ولكنَّها -للأسف- تراجعت نوعًا ما في جانبها الأخلاقيّ، فأصبحت النظرة الماديَّة للحياة، والواجبات اليوميَّة التي لا تنتهي، أحد أهم أسباب قسوة القلوب، مع أن النفوس فُطِرت على الرحمة، وعلى اللين، إلاَّ أنَّها تنتكس من حينٍ إلى حين. ولا يُحزنني في هذا الأمر سوى أولئك الصغار، فالكِبار قد استوعبوا الدرس، أمَّا الصغار فلا زالوا مُرهفي الحس؛ لذلك عندما يقسو الأب على أبنائه، والمُعلم على طُلاَّبه، والمُجتمع على أفراده، فلا عجب أن تُصبح القسوة صفةً غالبةً، ولا ريب أن القلوب ستصبح مُتباغضةً، فنحن عندما نقسو على الصغار فكأنَّنا ندفعهم دفعًا لينضمُّوا إلى حزب الأشرار، فأصبح البعض يُجيد هذه الصِناعة، بل إنَّه يتفنن بها ببراعة، ولكن السهم الذي رماه سيرتد عليه، ويومًا ما سيجني ما زرعته يداه.

مساكين هؤلاء الصِغار، يرتكِبُ الكبار حماقاتهم فيكونوا هم أكبر الخاسرين، في الحروب تجدهم أكثر الضحايا فيُشردونهم ويُحاصرونهم ويجوعونهم ويُقتلونهم. لعن الله الطُغاة، وفي الدول الفقيرة يحمِّلونهم فوق طاقاتهم فيكلفونهم بأعمال لا تصلح إلاَّ للأقوياء من الرجال، فيسلبون منهم براءة الطفولة، ويقتلون فيهم الأحلام والآمال، فيحولونهم إلى مخلوقاتٍ تُشبه الأطفال، قاتل الله القُساة.

لا أعتقد أنَّ شخصًا عاقلاً استيقظ من نومه فجاءة وقال: أنا اليوم سأصبح شريرًا، وأكاد أجزم أنَّه لا يوجد إنسان اختار أن يكون شريرًا لمُجرد الشر، وإنما هناك عِدة أسباب جعلت منه شريرًا، منها: الرغبة في الانتقام، أو الاعتقاد أنَّ الشرَّ مصدرٌ للقوة والسعادة، وتقريبًا هذان السببان مكملان لبعضهما، فمَن يرغب في الانتقام لا تعنيه الوسيلة، وبالطبع لا تهمه الطريقة، المهم أن ينتقم ممَّن ظلموه، وأن يعاقبهم على ما فعلوه، وغالبًا سيصبح المجتمع في صراعٍ دائم بين انتقام مظلوم، وقسوةِ ظالم، ويتبادلون فيما بينهم المشاهد والأدوار، ويأتي بعدهم من يُكمل المشوار، فلا المظلوم ينسى ويغفر، ولا الظالم يتوب ويهجر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store