Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

دروب القلب..!

A A
هل خطر ببالِك، في يومٍ مِن الأيام، أنْ تعتزلَ قريبَ الناس وبعيدَهم، وتجلس، ولو لساعاتٍ قليلة، بعيدًا وحيدًا خالي الذهن هادئ التفكير؟!، وتحاول أن تتحدث إلى قلبِك، في وحدتك، حديثًا تملؤه المحبة، ويعطِّره الصدق، وتذهب إلى مساحاتٍ بقلبك لمْ تصل إليها مِن قبْل؟!، ستكتشف، بكلّ تأكيد، أمورًا كثيرةً تجهلها عن ذاتك، لا تتفاجأ يا صاحبي، قد يكُون بعض تلك الأمور قبيحًا، يصيبك بالفزع، ويملؤك بالانزعاج، وستشاهد، بكلّ تأكيد أيضا، جانبًا جميلاً مشرقا، لمْ تعرفه عن قلبك مِن قبْل، يشعرك بأنك إنسان حقيقي، تستحق أن يحبك الآخَرون ويحترموك ويثقوا بك، وتبادلهم الحُب والاحترام والثقة.

يا رفيق الحَرف والفكرة، حتى تصلَ إلى المساحاتِ البعيدة والمجهولة في قلبك، وتكتشفَ بها جوانب القبح والحُسن، لا بدّ، بطبيعة الحال، أن تبحثَ جيّدًا عن الدروب المؤدية إليها، وتمشي فيها، تنقُل خطواتك بتؤدةٍ واطمئنان، عقلك بوصلتك، ويقينك دليلك وقائدك، لا يحجب عنك ضبابُ الذكريات الرؤيةَ في طريقك، ولا تتعثر في حنينك لوجوهٍ غابت وأيام انقضتْ، تتلفتُ ببصرك يمينًا وشِمالا، تصافح عينيك صورٌ بالأبيض والأسْود، وأخرى قد زيّنَتْها الألوان، تتأمّل شريطَ العُمْر، تتجاوز محطاتِ الألم بأمان وبأقلّ الأضرار، وتتزود مِن واحات الأمل بشغفٍ ولهفة، تمضي في دروب القلب مستندًا على حيطان الاشتياق، ومتوكئًا على عصا الثقة، تملأ صدرَك بهواء الطمأنينة، وتفتح ذراعيك لاحتضانِ النور ومعانَقة الفرح.

عندما تكتشفُ دربًا جديدًا في قلبك؛ ستندهش أنه يؤدي إلى دروبٍ جديدة، تتفرّع منه؛ وتأخذك إلى مفترَقاتِ طُرق لا تكاد تنتهي، فهذا يتجه بك إلى ذكرياتِ الطفولة وأحلامها ورفاقها، والثاني يذهب إلى أفكارك وقناعاتك القديمة، فتفرح بما نضج وتطوّر منها، وتشاهد ما تلاشى، لأن الأيام أثبتتْ زيفَها، وذاك الطريق مؤلم، يزدحم بالجروحِ والآلام، تجتازه سريعًا، رغبةً في النسيان، وطريق رابع تحب المشي به دائما، يصطحبك إلى الحُب الأثير المختبئ بزاويةٍ بعيدة في قلبك، فترى أنه بقي جميلاً ناصعًا نقيًّا، لمْ يزدد بمرور السنين إلا ثباتًا وشموخا، حُب يمنحك الرجاءَ في أوقات الخيبة، والضياء في ليالي العتْمة، والراحة في لحظات التعب.

عَدد قليل جِدًّا مِن الناس يستحقون أن يعْبُروا دُروبَ القلب، يمرّون بسلام، ويتركون الطمأنينةَ في كلّ خطوة، تغمرنا النشوةُ بوجودهم، وتفْرِد السعادةُ أشرعتَها في حضورهم، تخْضرّ ممرّاتُ القلب بعبورهم خلالها، وتورق أشجارُ السعادة في ربيع أيامهم. قد تجد، على الأقل، شخصًا واحدًا يستحق أن يطوفَ بدروب قلبك، تأنس به، ويأنس بك، أو تختار الراحة، وتغلق بابَ القلب على ذكرياته، يقولُ الطبيبُ والشاعر: إبراهيم ناجي، رحمه الله:

رَفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ

وأنا أهتفُ: يا قلبُ اتّئِدْ

فيجيبُ الدمعُ والماضي الجريحْ:

لِمَ عُدنا؟! ليتَ أنّا لمْ نعُد

لِمَ عُدنا؟! أَوَ لمْ نطوِ الغرامْ

وفَرَغْنا مِن حنينٍ وألمْ؟!

ورضينا بِسُكونٍ وسلامْ

وانتهينا لفراغٍ كالعدم؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة