Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

علاقة ترامب بالمسلمين

A A
حينَ أداءِ الرئيسِ الأمريكيِّ الجديدِ «دونالد ترامب» اليمينَ، وضعَ يدَه علَى إنجيلٍ سبقَ أنْ أهدتهُ لهُ والدتُهُ وهُو بعد لم يزلْ طفلاً في حيِّ كوينز في مدينةِ نيويورك، وفي ذلكَ دلالةٌ رمزيَّةٌ كبيرةٌ علَى مدَى تغلغلِ وترسُّخِ المبادئِ الدينيَّةِ المسيحيَّةِ في السياسةِ الأمريكيَّةِ، كمَا أنَّ تكرارَ ترامب في تعهُّداتهِ بتطهيرِ العالمِ من الإرهابِ الإسلاميِّ المتطرِّفِ رمزيَّةٌ أخْرَى لمدَى سيادةِ مبدأِ التبشيرِ الإرساليِّ المؤسَّسِ منذُ أيامِ المهاجرِينَ والمستوطنِينَ الأُوَّلِ للأراضِي الأمريكيَّةِ، سواء البيوريتان، أو الإنجلين البروتستانت، والتِي أوجدتْ وشكَّلتْ في الذهنيَّةِ الأمريكيَّةِ مبدأَ الاختياريَّةِ لهمْ من اللهِ كشعبٍ مثلِهم مثل بني إسرائيلَ القدماءِ في العهدينِ: القديمِ، والجديدِ (التوراةِ والإنجيلِ) لقيادةِ وإرشادِ العالمِ.

تطهيرُ العالمِ من الإرهابِ الإسلاميِّ المتطرِّفِ، العالم كلّه بمَا فيهِم الدولُ الإسلاميَّةُ متَّفقونَ علَى القيامِ بِهِ، والمملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ كانتْ من أُولِ الدُّولِ التِي دعتْ إلى مكافحةِ التطرُّفِ فِي كلِّ صورِهِ، وقامتْ وتقومُ بمكافحتِهِ بكلِّ حزمٍ وعزيمةٍ، لمعرفتِهَا بخطرِهِ وخطرِ أتباعِهِ الذينَ يستغلُّونَ الدِّينَ السمحَ في تنفيذِ مآربِهم وأجنداتِهم الخاصَّةِ. لكنْ مَا يجبُ الانتباهُ إليهِ هُو أنَّ الإرهابَ ليسَ لهُ دِينٌ، أوْ مذهبٌ، أوْ عِرقٌ، أوْ مكانٌ، بلْ هُو رديفٌ للتطرُّفِ، فالراديكاليَّةُ والأصوليَّةُ عُرفتْ في الثقافةِ الغربيَّةِ والشرقيَّةِ غيرِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، قبلَ أنْ توجدَ في أراضِي المسلمِينَ، وصفحاتُ التَّاريخِ مليئةٌ بالشواهدِ، كمَا أنَّ الخوفَ أنْ يخلطَ مفهوم الدعوةِ إلى «تطهيرِ العالمِ من الإرهابِ الإسلاميِّ المتطرِّفِ» ليشملَ الإسلامَ والمسلمِينَ في العمومِ، فيتحوَّل في نظرِ الساسةِ والنُّخَبِ والإعلامِ إلى متَّهمِينَ للهويَّةِ فقطْ لا غير، وهُو مَا سوفَ يؤدِّي إلى سلبِ حقوقِهم وحريَّاتهم الخاصَّةِ والعامَّةِ كمَا كانَ ينادِي ترامب نفسَهُ إبَّانَ حملتِهِ الانتخابيَّةِ بإغلاقِ أبوابِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيَّةِ أمامَ المسلمِينَ، ومنعِهم مِن دخولِهَا!

ومشهدُ احتفالِ تنصيبِ ترامب أثارَ العديدَ من التساؤلاتِ والتخوُّفاتِ حينَ خلاَ مِن وجودِ ممثلٍ للمسلمِينَ فيمَا وُجدَ قسيسانِ مسيحيَّانِ بروتستانيّ وكاثوليكيَّ وراباي يهوديّ، رغم أنَّ عددَ المسلمِينَ الأمريكيِّينَ أيّ ممَّن هُم من مواطنِي الرئيسِ ترامب يبلغُ قرابةَ ثلاثةِ ملايين ونصفِ المليون، وقدْ ذهبَ عديدٌ من المراقبِينَ ومتابِعي السوشيال ميديا فِي كثيرٍ من أنحاءِ العالمِ إلى أنَّ ذلكَ تأكيدٌ علَى العنصريَّةِ الدينيَّةِ في الثقافةِ الأمريكيَّةِ، الأنجلوسكسونيَّةِ، ضدَّ كلِّ مَا هُو مسلم، وغير غربيّ.

مثلُ هذهِ الأفعالِ التِي شهدتْ مراسمَ تنصيبِ الرئيسِ الخامسِ والأربعين لأمريكَا بقدرِ رمزيَّتِها بقدرِ مَا هِي مؤشراتٌ إلى سياساتٍ سوفَ تنتهجُهَا الإدارةُ الأمريكيَّةُ الجديدةُ، وهي سياساتٌ لن تكونَ بالتأكيدِ ذاتَ مردودٍ إيجابيٍّ إلى قيامِ تفاهمٍ عالميٍّ، وحوارٍ مُتثَاقِفٍ ومُتساوٍ بينَ شعوبِ الأرضِ، بلْ ترسيخٌ لمبدأ طيِّبينَ وأشرارٍ المترسِّخِ منذُ الآباءِ المؤسِّسينَ، والذِي يعنِي بكلِّ بساطةٍ أنَّ الأمريكيِّينَ هُم الطيِّبُونّ، وأنَّ الأشرارَ هُم الآخرُونَ، وهذَا مبدأٌ لا يختلفُ عن عنصريَّةِ اليهودِ في إيمانِهم باختياريِّتهم ودونيَّة الأغيارِ، أو فيمَا كانَ يدعُو لهُ أسامة بن لادن من وجودِ فسطاطَينِ، وقدْ أثارَ العالمَ ذلكَ واستنكرَهُ، ومبدأٌ كهذَا ليسَ سوى مؤشرٍ خطيرٍ جدًّا علَى عدمِ استقرارِ الأمنِ العالميِّ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store