Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ميثاقاً غليظاً

No Image

A A
* «...زوجتك ابنتي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. قبلت نكاحها لنفسي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم...»

بهذه الكلمات التي تمثلُ الميثاقَ الغليظَ كانت بدايةُ ارتباطِهِما الروحي والجسدي.

* كانت تسترجع ذكرياتِ زواجها الذي دام خمسةَ عشرَ عامًا بجماله ومغامراته، بإنجازاته وإخفاقاته. كانت سعيدةً بما حققته هي وزوجُها في تلك السنين المنصرمةِ من توافقٍ وانسجام، من إخلاصٍ ووفاء، من بذلٍ وعطاء. كانت له فيها نعم المرأةُ، ذاتَ الدينِ والخلق، ذاتَ الجمالِ والدلال، ذاتَ القلبِ الطاهرِ والعقلِ الناضج. وكان لها فيها ذلك الرجلَ المحبَّ الوفي، الحنونَ الخلوق، الكريمَ المعطاء.

كم كان كبيراً حظُّه حين عثر عليها وعثرت هي عليه. كم كانت سعادتُه لا توصفُ حين ارتبط بها. فهو لم يعثرْ على نصفِه الثاني ومليكةِ قلبِه فحسب بل عثر على من حفِظت نفسَها وشبابَها من أجله. عثر على من حفرت اسمَهُ في صدرِها وحلفَت يمينًا بأن لا تخونَ في حبها.

* لتلك السنينَ ثمراتٌ منها، أرواحٌ من صُلبِه تُخلَق وفي رَحِمِها تَستَقرُّ وتُستَودع. أرواحٌ لديها احتياجات، ميولٌ ورغبات، نوازعُ وشهوات. تحتاج رعايةً وحماية، تحتاج صُحبةً وهداية لتقِيَها شرورَ الغواية.

* بعد تلك السنينَ الطوال، بعد تلك السنينَ الحسان، بعد التفاني في الحب والعطاء، بعد كلِّ البذل والسخاء، فُجِعت بما لم يكن في الحسبان. فُجِعت بالخبر الذي هزَّ كيانها، فجّر بركانها وأشعل نيرانها. علمت بأن رفيق عمرِها قد خانها. شعرت حينها بالخذلان، بالنكران. شعرت بانهيار ذلك الصرح العظيم الذي لبِثت في بنائه سنين.. كم حطّمت فعلتُه هذه قلبَيْ والديها. فقد كانا ينالان سعادتَهما من سعادتها. عادت إليهما فجأةً ولكن بغير الوجه الذي ألفاهُ منها. بغير الروحِ التي أعتادا عليها. عادت إليهما فجأةً مُحمّلةً بالهموم والأوجاع. قد خنقتها العبرة، غمرتها الكسرة، ودارتهما بالبسمة. كم كبُرت وكبُرَت معها همومُها وأوجاعُها. كم أصبح صعبًا إرضاؤها.

إن الخيانةَ الزوجيةَ من الرجل أو المرأة على حدٍّ سواء هي من أقوى الأسبابِ التي تهدمُ البيوت وتملأ الحرقةَ في الصدور، حتى لا يكادُ يظهرُ للحبِّ بين الزوجينِ أيّةُ ملامحَ بعد أن كان ظاهرًا أشدَّ الظهور في أعينهِم، في ملامحهِم، في ضحكاتِهم و في أفعالهِم.

* كم آنس القرآنُ وِحدتَها وكم سهِرَتِ الليالي جافيةً مضجعَها، شاكيةً إلى الله حُرقتَها. كم تفطرتِ الأرضُ على بكائِها وتصدّعتِ الجدرانُ لنحيبِها.

* أتخونُ بعد هذا العهد؟ أتخونُ بعد هذا الميثاق؟ أتخونُ بعد هذا الحب؟ أتخونُ بعد هذه التضحية؟ أتخونُ بعد هذه العشرة؟ أتخونُ الشمعةَ التي احترقت كي تضيءَ حياتَك وحياةَ أبنائك؟! أتخونُ من قطَفْتَ زهرةَ شبابِها؟! أنسيتَ التي مهّدتْ لك الطّريقَ وواستكَ حالَ الضيق؟! أنسيتَ من طبّبتك حين مرِضتَ وشجعتك حين يئست؟! أما تفكّرتَ في حالِ الأرواحِ التّي من صُلبِك خُلِقت، وفي بيتِك نشأَت، بك ارتبطت؟! أما تخشى عليهم تلك الكسرة؟! أما عدت تأبه بتلك العَبرة؟! أما تخشى الحسابَ يومَ الحسرة؟!

عد إليهم، احتضِنهم، اقترِب منهم، استمِع إليهم، استمتِع بطفولتهم وشبابهم كي تجدَ من يأنسُ بك ويحبُّ صُحبتَك في كهولتِك وفي ضعفِك.. لَملمْ بقاياكَ المبعثرةَ في القلوب، أعدْ هيبتَك في الصُّدور وكنْ لهم قدوةً بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.. عُدْ إليها، قَبِّل يديْها ورَبِّتْ على كتِفَيْها.. امسحْ الدّمعَ من عينَيْها وعَطّرْ الثّرى تحت قدمَيْها.. أَشبِعْها حُبًّا وأمانًا وإكرامًا.. أطفئْ لهيبَ النّارِ في صدرِها فإني ما رأيتُ مثل صبرِها.

* كلمة أخيرة: أُهدي مقالي لكل زوجٍ أو زوجةٍ قد خان شريك العمرِ أو حتى فكّر بذلك لوهلةٍ علها تلامس قلبَه وتجعلُه يراجعُ حساباتِه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store