السياحة مصدر هام من مصادر الدخل للعديد من البلدان التي حباها الله بجمال الطبيعة، وأبقى فوق أرضها شواهد عمرانيَّة تشهد على مساهمة سكَّانها الأوائل في مسيرة الحضارة. وكون جزيرتنا العربيَّة، وحوض البحر الأبيض المتوسِّط قد شهدت ميلاد العديد من الحضارات، فإنَّها تجذب إليها على مدار السنة عشرات الملايين من عشَّاق السفر والتاريخ، ومتعة السياحة والترفيه، يرفدون اقتصاد الدولة المستقبلة بشريحة واسعة من الدخل، ويُسهمون في تشييد المنتجعات والفنادق السياحيَّة على السواحل، حيث الماء والخضرة، وفِي المواقع الأثريَّة التي تقف شامخة تشهد على التاريخ. وللقصور والقلاع الأثريَّة نصيب من جذب النخبة من السيَّاح، ومنها من رمِّم وتحوَّل إلى متاحف وفنادق واستراحات، وتلك التي تتربَّع فوق القمم خاصَّة، والمرتفعات المحيطة بالمدن، فتطلُّ عليها من علوٍّ يضفي على ما حولها جمالاً أخَّاذًا وتخيُّلاً لما كانت عليه في مرحلة من مراحل تاريخها.
ولبلدنا المملكة العربيَّة السعوديَّة من تضاريس الموقع الجغرافي، وتاريخ الحضارة ما يُميَّزها من غيرها من البلدان. فهي مهد الأنبياء والرسل، وموطن العديد من الحضارات، وتقع عند مفصل قارات العالم، ناهيك عن احتضانها للحرمين الشريفين. ولم يفت على المهتمِّين بالسياحة الدينيَّة في بلدنا، ما للإطلالة من مكانٍ مرتفعٍ على معالم الموقع من جذب لضيوف الرحمن. فشيّدوا في مكَّة المكرَّمة وقف الملك المؤسِّس -يرحمه الله- على شكل أبراج مطلَّة على بيت الله الحرام، بارتفاع تجاوز الستمئة متر؛ لتكون ثالث أعلى ناطحة سحاب في العالم، وأوسعها مساحة، تضمُّ اليوم العديد من الفنادق والأسواق والمطاعم، وتعلوها الساعة العملاقة.
في مدينتنا المنوَّرة مجمع قصور شُيِّد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- فوق قمَّة أحد الجبال المحيطة بها. له إطلالة مميَّزة، يلبِّي لأهالي المدينة المنوَّرة، ولضيوف الرحمن الذين يقصدون زيارة بيت رسولنا الكريم، التمتُّع بمشاهد بانوراميَّة للمدينة المقدَّسة من علوٍّ مشبع بروحانيَّة هذه البلدة المباركة، يضمُّ قاعات مؤتمرات، وأجنحة راقية.
آتي على ذكر هذا الأمر، آملاً أن يكون تطوير هذا الموقع سياحيًّا خطوة أولى على طريق إعمار سفوح المرتفعات المحيطة بالمدينة المنورَّة، وفِي مقدَّمتها مرتفعات جبل أُحد، لما تُوفِّره من نوافذ تطلُّ على التاريخ منذ فجر الإسلام! والدَّالُّ على الخير كفاعله.