Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

غياب الطائف

A A
في إجازةِ منتصفِ العام ،شهدتْ عددٌ من مدنِ المملكةِ حراكاً ثقافياً مميزاً تنوَّع بين فنٍ ومعارضَ ومسرحياتٍ ومهرجاناتٍ وتراثياتٍ لكلِّ شرائحِ المجتمعِ نساءً ورجالاً، شيوخاً وشباباً وأطفالاً.

غير أن مدينةَ الطائف إحدى أهمِّ الوجهاتِ السياحيةِ في بلدنا غابتْ كليةً عن ذلك، فلم نسمعْ أو نرَ أيِّ برنامجٍ نُفِّذ يمكن أن يعيد لمدينةٍ كانت تزخرُ بالفعاليات ولو جزءاً بسيطاً من وهجِها وهو ما يثيرُ التساؤلاتِ والتعجُّبَ.

الطائفُ وعبرَ تاريخِها مدينةٌ كُبرى من مدن الحجاز، بل إن القرآنَ الكريمَ ذكرها كثاني أهمِّ مدينةٍ بعد مكةَ المكرمة عند بدءِ البعثةِ المحمديةِ على صاحبها أفضلُ السلام وأزكاه، كما أنَّها وعبر تاريخنا السعودي كانتْ العاصمةَ الصيفيةَ للحكومةِ تتحولُ معها إلى خليةِ نحلٍ من حركةٍ ونشاط.

وكان المصطافون قبل النزوحِ للخارج يأتونها تباعاً إلى حدِّ أن الدراسةَ كانتْ تنتقلُ مع أبنائِهم خلال فتراتِ الصيفِ ،وكبار السنِّ يتذكرون ذلك جيداً.

في مراحلِ طفولتي وبداياتِ الشباب -وأنا أحد أبناءِ الطائف- كانتُ الطائف تعيشُ مهرجاناتِها على مدارِ العام خاصةً في مواسمِ الأعيادِ والإجازةِ الصيفيةِ، فالحراكُ الذي كانتْ تعيشُه يحوِّلها إلى إشعاعٍ ثقافيٍّ شاملٍ لكلِّ الأنشطةِ البشريةِ ،من رياضةٍ إلى فنٍ إلى ترفيهٍ ،بحيث تتحولُ بساتينُها إلى مسارح فن يُحييها عددٌ من الفناناتِ السعودياتِ، كابتسام لطفي وتوحة وعتاب، وكانت ساحاتُها وبرحاتُها تعجُّ بالفنانين الكبار كطارق عبدالحكيم وطلال مداح وعبدالله محمد وفوزي محسون يحيون بها مناسباتِ الزفاف، وكانت ملاعبُها الرسميةُ والشعبيةُ تمتلئُ بالفرق واللاعبين الكبار، فالأولى تشهد دورة المصيف والثانية فرق أهلية تضمُّ عمالقةَ الكرةِ السعودية مثل سعيد غراب وحسن دوش، أما مؤسساتُها التعليميةُ فلها حراكُها هي أيضاً، فالمعسكر الكشفيُّ وهو أحدُ أهمِّ المعسكراتِ الكشفيةِ في المملكة يقيمُ معسكراتٍ عدةً منها الخاص بكشافةِ الطائف ومنها ما يخصُّ المملكةَ بأسْرِها. وكذلك تقيمُ إدارةُ التعليمِ المعسكرَ الصيفيَّ لطلابِ المدارسِ الذي يضمُّ كلَّ الأنشطةِ والهوايات التي تساهمُ في خلقِ أجيالٍ مبدعةٍ في مجالاتِ الفنِّ والرسمِ والرياضةِ والفكرِ والمسرحِ. ناهيك عن الصور الجميلةِ والرائعةِ للمصطافين في بساتين ومنتزهاتِ الطائف من الهدا إلى الشفا إلى غدير البنات إلى حوايا والمثناه ،وكم تغنَّى بهذه الأماكنِ الشعراءُ وردَّدها معهم كبارُ الفنانين.

اليوم وإمكانياتُ الطائفِ أضعافُ الماضي، حيث توجدُ مدينةُ الملك فهد الرياضية واحدةٌ من مفاخرِ الرياضة وقد شهدتْ مجموعةً من نهائياتِ كأس العالم للشباب ( 1989م)وكأس العرب (1985م)،كما يوجد بها أحدُ أكبرِ المعسكراتِ الكشفيةِ في العالمِ العربي شهد معسكراً كشفياً عربياً كبيراً مرة واحدة فقط ( المعسكر الكشفي العربي الـ 24 عام 2000م )، إضافة إلى توفر الفنادقِ الكبرى والشقق وكل مقوماتِ السياحةِ وتوفر المثقفين والنخبة من المسرحيين والكشفيين بما يجعل الطائف تعيشُ أياماً مزدهرةًُ مع الإبداعِ والحراكِ الثقافي العام إلا أن ذلك كلَّه لم يحدث وبقيتْ الطائفُ غائبة وهذا شيء مؤسفٌ جداً.

الأملُ وقد حدث أخيراً تغييرٌ في إدارةِ المحافظةِ أن يتمَّ تفعيلُ النشاطاتِ الثقافيةِ في كلِّ تشكلاتِها الرياضيةِ والفنيةِ والفكريةِ والشعبيةِ وإعادة الروح الى الطائف لتعود إلى وهجها وإلى مكانتِها التي منحها إياها المولى سبحانه وتعالى وتصبح مقصداً للمصطافين والشتَّائين طوال العام، فهذا هو قدرُها حين وصفها الحق بقوله: «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store