Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
يوسف بخيت

الأشياء البسيطة.!

A A
تستقبل حواس الإنسان، بشكلٍ يومي، الكثيرَ مِن الأصوات والمَشاهد والمؤثرات المختلفة، كما يشعر أحدُنا بمشاعر لا حصْر لها في يومه وليلته، فربما بدأ صباحه بالضحك مع أطفاله في المنزل، أو زملائه في العمل، وقد يغرق مساءً في الحزن بسبب خبر وفاة قريب أو صديق، هكذا طبيعة الحياة، يمتزج فيها الضحكُ مع البكاء، والسعادة بالشقاء، ومهمة الإنسان المدرِك لحقيقتها، أن يعمل، باستمرار، على تقليص مساحة السّواد، ويجتهد في زيادة مساحة البياض؛ ليصل إلى حالةٍ مِن الطمأنينة والنعيم والرضا، وهذه مهمّة ممتعة جدا، لمن يعتبر الحياة رحلةً سعيدة؛ فلا ينشغل كثيرًا بالاحتمالات السيئة، أو يضخّمها عند وقوعها، بل يتعامل بحكمةٍ واتّزان في كلّ المواقف.

يركض الناسُ يوميًا في دروب الرزق، يرتادون أماكنَ عملهم، في المكاتب والمدارس والحقول والمصانع، ولا تكاد أيامهم تخلو مِن المناسَبات الاجتماعية، يشاركون في حفلات الزفاف، وتأخذهم خطواتُهم إلى سُرادقاتِ العزاء، يستقبلون قادما، ويودّعون مسافرا، يعُودون المريض، ويواسون المحزون، وهي أفعال إنسانية وواجبات دينية مهمة، لكن أخشى ما أخشاه أن ينغمسوا في مشاغلِهم؛ فتفوتُهم ملاحظةُ الأشياء البسيطة والاستمتاع بها، حينها سيتحوّلون إلى مجرّد آلات بداخلها برمجة مسبَقة، تعمل بِلا توقُّف، حتى إذا أصابها عُطل، واختلّ نظامُها؛ توقفتْ مكوناتُها عن العمل، وصارت خردةً لا فائدة تُرتجَى منها، إلا إنْ كانت هناك فرصة لإصلاحها.

الأشياء البسيطة لا تشبه تلك المعقّدة في تفاصيلها والكبيرة في حجمها، إنها بسيطة فعلا، قليلة التفاصيل أو عديمتها، لكنها تترك في عقلِ وقلب مَن يلاحظها أعمقَ الأثر وأبقاه، وتأتي ضحكاتُ الأطفال ومواقفهم كأجمل الأشياء البسيطة وأنقاها، إنّ ضحكاتِهم كالأعياد، لا نملّ تكرارها، وهي الربيع الدائم في حياتنا، وكذلك دعاء الوالدين، فهو الصوت الأعذب في الوجود، وما أجمل أن تكون فاتحة اليوم وخاتمته دعوة مِن الأم أو الأب، يرسلانها إلى السماء طاهرةً كقلبيهما؛ فتنشر في حياتِنا الأملَ والنور، ولا يمكن أن نقلّل مِن أهمية الصداقاتِ الحقيقية لنا، ذلك أنّ الأصدقاءَ امتداد لأفكارنا، وإضافة ثمينة لأعمارنا، وصَدَق مَن قال: الصداقة عقل واحد في جسدَين.

يا رفيق الفكرة، كُن متيقظًا للأشياءِ البسيطة مِن حوْلك، استمِع إلى تغريدِ العصافير، شاهِد الفراشاتِ والنحلات وهي تهبطُ على الزهورِ والورود، لاحِظ الأشجارَ في سكونها وتحريكِ الرياح لها، استمتِع بالنظرِ إلى البحر، ارفع رأسَك إلى السّماء، متِّع بَصرَك بمنظرِ القمرِ والنجوم، انظر إلى شروقِ الشمسِ وغروبها، تأمّل أشكال السحاب وألوانه، أطرِب أذنيك بخريرِ المياهِ في الجداولِ والأودية، ضع هاتفَك المحمول جانبا، وأنصِت إلى حديثِ زوجتِك وأطفالك، لا تجعل سخافاتِ الغير تلهيك عن مراقبة نموّ طفلك الصغير وبطولاته في تسلُّق مقاعد المنزل وفتْح أبوابه، اجلس مع إخوانِك وأخواتك جلسةً تستعيدون فيها ذكرياتِ الطفولة، وتضحكون عليها طويلا، يقولُ جلالُ الدين الرومي رحمه الله: لعلّ الأشياءَ البسيطة هي أكثر الأشياء تميّزًا، ولكن ليست كلّ عينٍ تَرى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store