شكا لي صديقٌ مقّربٌ، وأخٌ عزيزٌ من ظاهرة المسوِّقين والمسوِّقات عبر الهاتف، وما يتبع ذلك من زيارات منزليَّة لعرض منتجات منزليَّة مقرونة بكلام (مبهرج)، يخلو غالبًا من أيِّ حقائق علميَّة ثابتة، وإنَّما مجرَّد مصطلحات تُظهر المسوِّق أو المسوِّقة خبيرًا ضليعًا بخلفيَّة علميَّة وتقنيَّة مبهرة، في حين هي حصيلة فارغة، خاصَّة إذا كان الزبون (الضحيَّة) مدركًا لكلِّ هذه الألاعيب والحيل والحقائق الوهميَّة المزيَّفة.
يقول صديقي: اتَّصلتُ بوزارة التجارة والاستثمار لأتحقَّقَ من مرجعيَّة هذه الكيانات التي تسوِّق الوهم غالبًا بأسعار مضاعفة، فعلمتُ أنَّ الوزارة الموقرة مسؤولة فقط عن المؤسَّسات الحقيقيَّة المسجَّلة رسميًّا في الوزارة، ولها مقار وفروع، أو هي تعمل حسب النظام. عندها سأل البلديَّة المعنيَّة، وعلم كذلك أنَّ البلديَّات مسؤولة عن إصدار تصاريح مقار المؤسَّسات، أو فروعها، ولذا فهي غير معنيَّة بأولئك الذين يسوِّقون منتجاتهم عبر الهاتف، وعبر المنازل (على طريقة «فرَّقنا» قبل 50 سنة).
واضح أنَّ هناك عدَّة محاذير اقتصاديَّة وأمنيَّة واجتماعيَّة. هؤلاء أولاً يعملون ضمن اقتصادٍ خفيٍّ لا تُعرف أبعاده، ولا مَن وراءه. وقد لا تكون منتجاتهم آمنةً، وهي حتمًا ليست كما يصفون. وقضيَّة أخرى تتعلَّق بضمان السلعة، إذ عادةً ما يختفي هؤلاء، وكأنَّهم «فص ملح وذاب» بعد أن يتكبَّد الزبون غالبًا بضعة آلاف من الريالات.
وعن الجانب الأمني والاجتماعي، هم يدخلون البيوت ويتفحَّصون دواخلها، ومنهم مَن قد يكون من غير المأمونين. وأحيانًا لا يكون في البيت إلاَّ إناثٌ يتعاملون بحسن نيَّة، وبافتراض أنَّ المسوِّق له مرجعيَّة نظاميَّة، ويمثِّل مؤسَّسة اقتصاديَّة معروفة، وهي غالبًا ليست كذلك.
قد لا يكون من العدل التعميم، لكن من العدل ضبط هذه العمليَّة من الجهات المختصَّة، فيتمُّ أولاً التعريف بكلِّ مسوِّق، وتسجيل جميع بياناته، ثمَّ يُمنح بطاقة للتعريف بطبيعة عمله، سواء كان مواطنًا، أو مقيمًا، وأن يكون ممثِّلاً لمؤسَّسة اقتصاديَّة معروفة تزكِّي موظَّفيها، وتضمن منتجها، وتفاخر بخدماتها.
الفكرة ليست جديدة، لكن لا بدَّ من ضبطها، وتطويرها بحيث تُقلِّص آثارها السلبيَّة المحتملة، وتُنمِّى آثارها الحسنة.