قَليلٌ مِن الرِّجَال هُم الحُكَمَاء، والأَقَلّ مِن هَذا القَليل، مَن يَستَمع إلَى ضَميره، حِينَ يُؤنِّبه فِي القَسوَة عَلى هَذا، أَو فِي إِهمَال حَقٍّ لذَاك.. ولَعلَّ أَوْلَى النَّاس بيَقظة الضَّمير الطيّب، هو مَا يَكون بَين الزّوج وزَوجته، وحَتَّى نُعطي المِثَال، دَعونَا نَقرَأ هَذا البُوح الصَّادق، الذي كَتبه شَيخنا الأَديب الكَبير «أحمد أمين»، عَلى شَكْلِ مُذكِّرَات يَوميَّة -نَشرهَا ابنه الأُستَاذ «جلال أمين»، فِي كِتَابه «مَاذا عَلَّمتني الحيَاة»-، حَيثُ يَقول مُخَاطِباً زَوجته:
(9 يَنَاير 1917، أَشعُر كَثيراً مِن الأَوقَات بأنِّي سَعيد، لأنِّي رُزقت Wifeمُدبِّرَة ونَظيفَة، ذَات عَواطِف مُخلِصَة، لَا تَقول غَير مَا تَضمر، وإنْ كُنتُ أَحيَاناً FeelRather Painful For She Is Not Very Beautiful ، وأَحمدُ الله عَلى هَذَا الحَال. وقَد أَحْسَستُ بأنَّ العَلَاقة بَيننَا تَزدَاد مَتَانَة بمرُور الأيَّام. لَستُ أَجد زَمناً أَخلُو فِيهِ بنَفسي كَثيراً، كَمَا كُنتُ أَجد، ولَا أَقرَأ كَثيراً كَما كُنتُ أَفعَل. فإذَا قَرأتُ يَوماً كَثيراً، أنَّبنِي ضَميري، لأنِّي لَم أُعطها حَقّهَا مِن الالتفَات، وإذَا لَم أَقرَأ أَسفتُ لذَلك. فأنَا بَين أَلمين. أَحسُّ بأنَّه يَجب عَليَّ تَنمية عَقلهَا، ببَثِّ بَعض المَعلومات العَامَّة، وأَرجو أَنْ أُوفّق إلَى الشّروع فِي ذَلك، والسّير فِيهِ)..!
بالله عَليكم، أَلَا تَقفون إعجَاباً بهَذا البُوح الفَاخِر، والحَرف المَاهِر، الذي رَسمه شَيخُنَا صَاحب الضَّمير الحَيّ، الكَاتب «أحمد أمين»؟، ولَاحظوا أنَّه عِندَمَا أَرَاد الحَديث عَن جَمَال زَوجته، لَم يَرغَب أَنْ يَجرَح مَشاعرها، فكَتَبَ العِبَارة باللُّغَة الإنجليزيَّة، لأنَّ زَوجته «الستّ أُم حَمَادة»، لَا تُجيد قِرَاءة الإنجليزيَّة..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أَقول: لَا يهمني مَاذا تَستَفيدون مِن هَذه القصّة، ولَكن أَبصُم بأَصَابع يَدي وقَدمي، بأنَّني استَفدتُ كَثيراً، وتَعلّمتُ كَثيراً، واستَلهمتُ كَثيراً، مِن قصّة الكَاتِب الكبير «أحمد أمين»..!!