في عدد المدينة (24 فبراير) ذُكر أن (الجهات المختصة تضع اللمسات الأخيرة لنظام مكافحة الرشوة). هل معنى ذلك أن 50 عامًا مرت أو أكثر، وليس لدينا نظام لمكافحة الرشوة، بالرغم من أنها من أكثر الجرائم الأخلاقية والمالية انتشارًا.
المذهل في هذه الجريمة أن دلائلها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لكن أبطالها مستترون ولو ارتدوا الأحمر في عز النهار!!! على الرشوة ينطبق قول الأعرابي: (البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير).
والبعرات في قضايا الرشوة كبيرة، لكن أصحابها يتخفون دائمًا وراء التأنُّق والمظهر الجذَّاب! هم يُحدِّثونك عن الوطنية أطراف النهار، ويعقدون صفقات الرشوة آناء الليل وخلف الستار! هم لا يخفون عن الناس لأن الواحد منهم يبدأ مشواره الوظيفي (منتف) كالغراب الأجرب، ثم هو في خلال سنوات قليلة جدًا يسير كالطاووس الأبيض (حيوان نادر) يركب أفخم المركبات ويقطن في دور كأنها القصور.
باختصار هم كثر، ولا يكاد يسلم منهم قطاع ولا مصلحة ولا مدينة ولا قرية!! إنها كالثقافة العامة التي تؤكد معنى (هبت نسائمك فاغتنمها، بل وضاعفها على عجل وبلا وجل)! هم لا يخفون على أحد تعرفهم في لحن القول، وفي فخامة الملبس، وفي تباشير الضنك في حياتهم، نادرًا ما يبرهم أبناؤهم أو تعم السعادة حياتهم أو تنتظم العافية أسرهم. هم في ضنك قد يخفى على الناس، لكنه نذير خاتمة السوء أعاذنا الله منها.
أعود إلى النظام المأمول والذي لم تشر نصوصه إلى سلاح (التشهير) على حد ما نُشر، فهل للتشهير موضع؟ أم أنها العادة القديمة للسيدة حليمة: التشهير أذى للمرتشي في حين يتأذى المجتمع كله من جرائمه المنكرة، ويدفع ثمنها مشروعات مضروبة وأموالًا منهوبة، وتنمية منقوصة ومشاعر محبطة مجروحة!!
وجهة نظري المتواضعة أن وفروا الأوقات لما هو أهم إذا لم يكن للتشهير نصيب من سلسلة العقوبات التي بدون التشهير لا تردع إلا قليلًا، ذلك أن عامل المخاطرة ضعيف مقابل إغراءات الثراء السريع وآمال الثراء الفاحش وأرصدة المال الوفير.