أَتَت وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي، فجَعَلَت عَالي الأمُور سَافلها، وسَافل الأمُور عَاليها، و»لَخْبَطَت» الفَوضَى، وصيّرتها هي الأسَاس والمِقيَاس..!
فِي وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي، يَتحدَّث النَّاس عَن أَعمَالِهم وأَولَادِهم، وعَن شَرابِهم وطَعَامِهم، وعَن أَشيَائِهم وأَسفَارِهم، فهَل هَذا أَمرٌ مَقبول؟.. إنَّه سُؤالٌ كَبير، لَن يُجيب عَنه إلَّا أُستَاذ تَطوير الذَّات، الدّكتور الكَبير «إبراهيم الفقي» -رَحمه الله-، حَيثُ يَقول:
(لَا تَتحدَّث عَن أَموَالِكَ أَمَام فَقير، ولَا عَن صحّتِكَ أَمَام عَليل، ولَا عَن قوّتِكَ أَمَام ضَعيف، ولَا عَن سَعَادتِكَ أَمَام تَعيس، ولا تتحدَّث عَن حُرِّيتِكَ أَمَام سَجين، ولَا عَن أَولَادِكَ أَمَام عَقيم، ولَا عَن وَالدِكَ أَمَام يَتيم)..!
بَعد هَذا النَّصّ أَقول: إنَّ أَكثَر النَّاس فِي وَسَائِل التَّواصُل؛ يُعلنون ويَنشرون أَفرَاحهم، ويَشرحون حَالتهم، سَواء كَانوا فِي السّوق أَو المَنزل، أَو المُنَاسبَات السَّعيدَة، ومِن الصَّعب مَنع النَّاس مِن ذَلك، بَل يَستحيل الوصُول إلَى مَنعهم، وتَكميم أَفوَاه الفَرَح فِي وَسَائِل تَواصلهم..!
لقَد كَثُر الكَلَام حَول التَّخوُّف مِن «العين»، التي قَد تُصيب مَن يُصوِّرون مُنَاسبَاتهم الخَاصَّة، ويَتظَاهرون فِي سَفريَّاتهم، ويَتفَاخرون بأَموَالهم، ومِثل هَذه التَّخوُّفَات -فِي الغَالِب- تُصيب مَن يُفكِّر فِيهَا ويَتخوَّف مِنهَا، والإنسَان مَطلُوب مِنه أَنْ يَجعل النَّاس؛ تَرَى أَثَر نِعمة الله عَليه، كَمَا أنَّه -مِن نَاحيةٍ أُخرَى- مَطلُوب مِنه أَنْ يَتوكَّل عَلى الله، ويُحصِّن نَفسه بكَلِمَات الله التَّامَّات، مِن شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَب، ومِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: يَجب أَنْ نَنشُر ونُشيع ثَقَافة الفَرح باعتدَال، لَعلَّنا نُحرِّك الحَزين والتَّعيس ليَلحَق بِنَا، فالسَّعَادَة عَدوَى قَد تَنتَقَل مِن شَخصٍ إلَى شَخص، كَمَا أَنَّ التَّعَاسَة عَدوَى -أَيضاً- تَنتَقل مِن شَخصٍ إلَى آخَر.. أَمَّا كَلَام الدّكتور «الفقي»، فهُو قَابِل للجَدَل والنِّقَاش، والاتِّفَاق والاختِلَاف..!!