في النص القرآني نجد أن كلمة (خُلُق) قد وردت مرتين: الأولى: في رد قوم هود عليه السلام عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا والتطاول بالعمران، وأن يعبدوا الله فذلك أقوم وافضل لهم، فأجابوه وفق ما جاء في الآية الكريمة (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (137) الشعراء، والثانية: في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم، وجاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها، وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقًا.. وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة، فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق.
والأخلاق هي من نبع الدين الاسلامي حيث قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا) والحقيقة أن هذا الحديث يُعدُّ من أصول الدين، فأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث آخر: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فإذا أردت مقياسًا لإيمانك فهو خلقك، وحينما تمثَّل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بالأخلاق الفاضلة رفرفت راياتهم في المشرقين، وحينما فهِم المسلمون أن الدين صومًا وصلاةً وحجًا وزكاةً ليس غير، تراجعوا وغُزوا في عقر دارهم.
فالخلق ليس عنوان تحمله او تنادي به في وقت معين بل هو منهج رباني تتبناه وتعمل به في جميع الجوانب من حياتك ولا ينفع أبدا أن تفصله عنها أو حتى تشكله كيفما تريد لأنه من القيم التي تزرع في الانسان منذ بداية تكوين جسده على يد القدوة وهما الوالدان أولًا وأخيرًا مرورًا بالمدرسة والشارع ونهاية بالمجتمع كاملا، وهذا دورنا تجاه أبنائنا ولا يمكننا أن نتخلى عنه ونلوم الآخرين على فساد أخلاقنا أو انحرافها.
الفرصة لا تزال قائمة وبين أيدينا في أن نعيد تقييم خلقنا ونحاول اصلاح مبادئنا التي تهاونا في التعامل معها وتنازلنا عن الكثير منها مقابل لكسب قوتنا أو لتحقيق نجاحات مزيفة نحقق بها احلامنا المشروعة أو غيرها، فدعونا نتبنى خُلُق ديننا ونحوله الى سلوكنا الذي فرطنا به وتبناه الغرب وأبهرنا به وعدنا لنأخذه منهم وندفع ثمنا لتلك النظريات الإدارية والمالية والاجتماعية والسلوكية وغيرها، كيف ذلك ونحن نملك المصدر الأساسي لها من القرآن والسنة ونحن ما يجب أن نكون القدوة للجميع كمسلمين.