عندما لا تتمكَّن الكلمات والحروف من التعبير عن الإحساس، يصبح الصمتُ أصدقَ تعبير، ويكشف عن ما بداخلنا، وحين يخذلنا البشر يبقى للصمتِ نكهةٌ خاصَّةٌ.. فأحيانًا نصمتُ لأنَّنا نعلم أنَّ حديثنا لا يغيِّر شيئًا! فللصمتِ ضجيجٌ يسحقُ عظام الكلام، فحين تتذكَّر شخصًا تحبُّه تنتابك لحظة صمت، فإمَّا أن تبتسم، أو تدمع عيناك، إنَّه مؤلم، لكنَّه أرقى وسيلة للإجابة عن كثير من الكلام.
الصمتُ مؤلمٌ، ولكن في الوقت نفسه، عواقب البوح موجعة، فأنت تملك نفسك عندما تملك منطقك.
فللصمتِ هيبةٌ تغنيك عن كلِّ المناصب.. فإذا افتخر النَّاسُ بحسن كلامهم وحديثهم، فافتخر أنتَ بحسنِ صمتك وهيبتك.. هو خير الفضائل، وخير صديق، فهو الصاحب الذي لا يخون أبدًا.. هو أكرم الصفات بالكرم، فالصمتُ إعراضٌ عن اللغو يحيطك بالكرم.. حيث قال الله تعالى (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).
الصمتُ يزيدُ الأنثى جاذبيَّةً، وهو أفضل جواب لبعض الأسئلة، فما أجملنا عندما نلزم الصمت في أمور تستوجب الصمت، إنَّه العلمُ الأصعبُ من علم الكلام، فحين يكون الزمان ليس زماننا، والأشياء من حولنا لم تعد تشبهنا، حين نشعر أنَّ كلماتنا لا تصل إلى الآذان والقلوب، هنا يتوجَّب الرحيل بصمتٍ، فهو أجمل هديَّة نقدِّمها لأنفسنا؛ كي نختصر مسافات الألم، فتمرُّ علينا لحظةُ صمتٍ تتحدَّث فيها العيون، وتذرف الدموع بالألم؛ لأنَّها دموع السعادة، بذلك الحديث بين العيون الصادقة تنبع الفرحة بلحظة صمت.
فالصمتُ عبادةٌ من غير عناءٍ، وزينةٌ من غير حليٍّ، وهيبةٌ من غير سلطانٍ، وحصنٌ من غير أسوارٍ. وقد ورد لفظ الصمت في القرآن الكريم مرَّة واحدة في قوله تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ) «الأعراف 193».
فالصمتُ يجعلك ذا طاقة قويَّة للتفكير بعمق، فتسيطر على مَن أمامك، من خلال نظرات محمَّلة بمعانٍ يحتارُ الإنسان في تحليلها.
الصمتُ يولِّدُ لدى الآخرين شعورًا بالغيظ، فتكون أنت الأقوى، وهو الحل الأسلم أمام المشكلات الزوجيَّة. الصمتُ يجعلك محترمًا، ويعلِّمك حسن الاستماع والإنصات للآخرين.