كُلَّمَا اجتَمَع شَخصَان، صَار الحَديثُ عَن التّكنولُوجيَا ثَالثهما، والكَلَام يَنصبُّ -دَائمًا- حَول قُدرة هَذه الأجهزَة عَلَى اختطَافنَا حَتَّى مِن أَنفسِنَا، واستحوَاذهَا عَلينَا لدَرجة أَنَّ البَعض أَصبَح يُشكِّك في حُريَّة إنسَان هَذا العَصْر، لأنَّه تَخلَّص مِن عبُوديَّةٍ، ثُمَّ وَقَع فِي أُخرَى، هي عبُوديَّة التّكنولوجيَا..!
إنَّ شَبكَات التَّواصُل، ووسَائِل التَّراسُل الفَوري، خَلَقَت جَوًّا مِن المُتعَة والإثَارة مِن جَانب، ولَكنَّها فِي الجَانب الأخطَر، سَلبَت الإنسَان حُريَّته واستقلَاله، وخَطَفَته مِن جُلسائهِ وأَصحَابه، الذين يَجلس مَعهم بجَسده، ولَكن عَقله وتَفكيره ومَشَاعره مَع هَذا الجِهَاز؛ الذي يَحمله بيَده، ليَقضي أَجمَل سَنوَات عُمره، فِي مَواقع التَّواصُل الاجتمَاعي وغيرهَا..!
لقَد أَثبَتَت العَديد مِن الدِّرَاسَات؛ أَنَّ فِئةً كَبيرة مِن الشَّبَاب، يَقضون أكثَر مِن 6 سَاعَات يَوميًّا، في استخدَام شَبكَات التَّواصُل الاجتمَاعي، لِذَلك يَجب عَلى المُستَخدِم أَنْ يَكون حَريصًا، حَتَّى لَا تُوقعه هَذه الشَّبكَات فِي «شرك الإدمَان»..!
هَذه السَّاعَات الطَّويلَة التي يَقضيها الإنسَان، تُصيب بمَرَض يُسمَّى «إدمَان وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي»، وهو إدمَان لَا يَقلُّ خطُورة عَن إدمَان المُخدَّرات، ومُؤخَّرًا افتُتحت عيَادَات في أُوروبا وأمريكَا -فَقَط- لمُعالجة حَالَات إدمَان شَبكَات التَّواصُل الاجتمَاعي، مِثل «تويتر وفيسبوك» وغَيرهمَا، وتَطبيقَات التَّراسُل الفَوري مِثل «الوَاتس أَب»، وحَتَّى نَتأكَّد ونُجزم بحَقيقة وجُود هَذا النّوع مِن الإدمَان، فلنَعُد إلَى دِرَاسة حَديثَة تَقول: (75% مِن مُستَخدمي الجوَّال، يَفتَحون تَطبيق وَاتس أَب قَبل غَسل وجُوههم، بَعد استيقَاظهم مِن النَّوم)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: مِن الصَّعب أَنْ نُقرِّر مَاذا يَجب أَنْ يَفعَل النَّاس، ومَاذا يَجب أَنْ يَتركوا، فكُلِّ إنسَان يَعرف نَفسه، ولَكن الطَّريقَة النَّاجِعَة للتَّعامُل مَع هَذا الإدمَان، أَنْ يَعتَرف المَرء أَوَّلاً بالمُشكلة، ثُمَّ يُجدول استخدَام وسَائل التَّواصُل الاجتمَاعي؛ فِي أَوقَاتٍ مُحدَّدة، حَتَّى لَا يَجد نَفسه يَوميًّا أَسيرًا بِلَا قيود، وسَجينًا بِلَا حدُود..!!