مَن يَتأمَّل مَشَكِلات النَّاس فِيمَا بَينهم، وخلَافَاتهم التي تَحدُثُ بَين فَترةٍ وأُخرَى أثنَاء مَسيرة الحيَاة، يُدرك أَنَّ السَّبَب الأَسَاس الذي تَنطلَق مِنه هَذه المَشَكلات، هو رَفع مُستوَى التَّوقُّعَات فِيمَا بَينهم، بمَعنَى أَنَّ الإنسَان يَضع بَعض النَّاس فِي مَراتِب عُليا، وهُم لَيسوا كَذلك، وإذَا اكتَشَف أَنَّ مَرتبتهم أَقلّ مِن المَرتَبَة التي وَضعهم فِيهَا، أَخَذ يَشتكي ويُولول، ويَنشر ثَقَافة الإحبَاط، ويَزعم أنَّ النَّاس قَد تَغيَّروا..!
إنَّ مَن يَعتَقد أَنَّ الأصدقَاء كسيَّارة الإسعَاف، التي تَأتي وَقت الطَّوارئ، فهو يَظلم نَفسه قَبل أَنْ يَظلم النَّاس، لأنَّ الأَصدقَاء هُم مِن ذَوي القُدرَات المَحدودة، ويَجب أَنْ لَا نُحمِّلهم فَوق طَاقتهم..!
لَيتَ النَّاس حِين يُقبِلُون عَلَى الحيَاة؛ يَقرَأون مَا كَتبه الفَلَاسفة، حَتَّى لَا يُصابوا باليَأس، وحَتَّى لَا يَرفعوا سَقف تَوقُّعَاتهم بالنَّاس.. بالله عَليكم تَأمَّلوا مَا قَاله شَيخنا «عبَّاس محمود العقَّاد»، حِين قَسّم النَّاس، وأَعطى بَعضًا مِن أَوصَافهم وأَخلَاقهم.. يَقول: (تَعوَّدتُ أَنْ أجمع الأخلَاق إلَى أنوَاعهَا، وأَنْ أَضَع كُلّ نوعٍ مِنهَا تَحت عنوَانه، فِي النَّاس أَنَانية.. فِي النَّاس صِغَار.. فِي النَّاس سَخَافَة.. فِي النَّاس نَقَائص وغَرَائب... وهَكَذَا، إلَى آخر هَذه المَألوفات، التي تَوَارثنَاهَا نَحنُ أبنَاء آدم وحوَّاء، فلَيس فِيهَا مِن جَديد، فإذَا أَصَابني مِن النَّاس شَيءٌ مُكدّر؛ رَجعتُ بِهِ إلَى عنوَانه، فوَجدتُه مُسجّلاً هُنَاك، ولَم يُفاجئني بمَا لَا أَنتَظر، فِي النَّاس أَنَانية.. فِي النَّاس صِغَار.. نَعَم.. نَعَم.. ومَاذا فِي ذَلك؟، أَلَم أَتعلَّم هَذا مِن قَبل؟، بَلَى، عَلمته مَرَّة بَعد مَرَّة.. فمَا وَجه الاستغرَاب، ولِمَاذَا الأَلَم والشَّكوَى؟!).
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أُوصيكم -ونَفسِي- بتَقوَى الله -عَزَّ وجَلّ- فِي السِّرِّ والعَلَن، ثُمَّ أَطلُب مِن نَفسي ومِنكم؛ أَنْ لَا نُكلِّف النَّاس فَوق طَاقَاتهم، ويَجب أَنْ نَعلم أنَّهم فِي النِّهَايَة بَشَر، تَتخطَّفهم العيُوب البَشريَّة، مِن حِقدٍ وحَسَد، وغِيرَةٍ وسُوء نيَّة..!!