تعاملت حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين بكرم حاتمي مع المواطن وانتهجت سياسة الباب المفتوح مع أفراده وسخَّرت كافة الإمكانات لدعم القطاع الخاص وأولت الوطن وشئونه الاهتمام بعيون ساهرة وآذان صاغية وصبر كبير في معالجة مشاكل الاقتصاد والبطالة وتسخير الموارد لتجاوز التحديات. وهو نهج ترسخ بالممارسة الفعلية منذ عهد المؤسس طيب الله ثراه، ولا غرابة أن انعكس ذلك استقراراً ونمواً في محيط عربي وإسلامي يمُوج بالتحديات والمخاطر الاقتصادية، فالشكر لله ومن بعد لهذا النهج القويم.
ولكن بروز التحديات أمام قطاع الأعمال متوقعة ولن تكف عن الظهور، ولعل أخطر تحدٍّ اليوم قضية التستر التجاري الذي أصبح أشبه بمرض مزمن، يستدعي تدخلاً مباشراً لاستئصاله. وأعلم أن البعض يتحاشى تسليط الضوء على أعراض هذا المرض إما خشية أو رهبة، ولكن التستر في مخاطره وضرره يماثل سوساً ينخر في عظم الاقتصاد ويضعف مقومات نهوض القطاع الخاص وقدراته على النمو. فهو على سبيل المثال يؤثر في استقدام أيدٍ عاملة لمنشآت صغيرة وكبيرة فضلاً عن القطاع الصناعي، ولهذا ليس من المفارقات أن تجد منشآت مصنفة في نظام نطاقات في البلاتيتي أو الأخضر المرتفع ، ولكن حين تتقدم بطلب استقدام لمكتب العمل أمامها شهور وأحياناً عام أو يزيد من الانتظار، دون جدوى، بالرغم من أن الطلب يمر بإجراءات التأكد من أن الوظائف المطلوب الاستقدام عليها لا يرغب فيها مواطن وبعد أن يتأكد أن تلك الوظائف مقبولة لأن أجرها يتراوح بين ألفين وخمسمائة إلى ثلاثة آلاف ريال ويرفضها المواطن لسبب ثقافي اجتماعي، في المقابل يدفع تطويل الإجراءات القطاع الخاص لتوظيف من يقبل وهو متوفر في سوق التستر، ومع ذلك حين تسأل إدارات مكتب العمل من أين حصل المتسترون على التأشيرات أو تشير لمستقدمين لمن يرغب بأقل أجر، لا تجد إجابة مقنعة أو منطقية مثلما لا تجد مبرراً لمنع التأشيرات عن من يقع في النطاق البلاتيني أو الأخضر المرتفع.
والحال كذلك لابد من تدخل يصوب هذا الخلل ويلزم الوزارة بتفعيل الشفافية عند إصدار أي تأشيرات لأي شركة على أن يتم النشر بالبوابة ليعلم الجميع معايير المنح والمنع، ولماذا المنح ولماذا منعها عن الغير. وتفعيل الشفافية سيقفل كل باب يؤدي للتستر وأرجو أن يتزامن مع إجراء عدم نقل خدمات الأجنبي إلا بعد سنتين من دخوله وأن يوفر نظام ربط إلكتروني صارم يتابع فترة عمله للتأكد من وفاء المنشأة بأجره وأنه على رأس العمل بالمنشأة التي منحت التأشيرة، وإلَّا يطبق النظام على من يخالف. فليس ثَمَّةَ مبرر لمجاملة تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني ولا داعي لمكافأة الذين بدلاً من تمكين أنفسهم، يمكنون لمن يتسترون عليه فيضرون أنفسهم واقتصاد وطنهم.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
