جعل همّه الاستهزاء بعيوب الناس، وصار يُعرف بينهم بـ(عديم الإحساس)، يُطلق عليهم كلماتٍ كالرصاص، والغرض منها الانتقاص، بالتأكيد عرفتموه وباسمه سميتموه، فحياتنا لا تخلو من هؤلاء المعاتيه، فهم يعيشون في خيالٍ وتيه، مُعتقدين أنهم بانتقاص الآخرين يكتملون، وبخساراتهم يربحون، وبعثراتهم ينجحون، ولكن هيهات هيهات ما يعتقدون، فمن عاب استحق العقاب، وللمظلوم دعوةٌ تُستجاب. يقول (الإمام مالك) رحمه الله: (أدركت بهذه البلدة أقوامًا لم تكُن لهم عيوب، فعابوُا الناس فصارت لهم عيوب، وأدركت بها أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوبِ الناس فنُسيت عيوبُهم).
وليتنا نجعل الرسول عليه الصلاة والسلام قدوةً لنا، فقد كان لا يقول إلا خيرًا ولا ينطق إلا حقًا، واقتدى به السلف الصالح من بعده، فكانوا يتورعون عن تتبّع العورات والشماتة بالآخرين والسخريّة منهم، لدرجة أنهم كانوا يخشون السخريّة حتى من الحيوانات، يقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لو سَخِرتُ من كلبٍ، خَشيتُ أن أُحوَّلَ كَلبًا!).
من اعتاد الشماتة بالآخرين والانتقاص منهم، في الغالب لم يحسِب حِساب الدائرة، التي ستدور عليه، وأنه وإن طال الزمان سيحصد ما زرعتهُ يداه، فلا هروب ولا مناص من القصاص، إلا من تاب واستغفر بإخلاص، فالمصائب والحوادث لا يأمن منها أحد، والعقاب آتيه لو طال عليه الأمد، يقول ابنُ سيرين رحمه الله: (عيرتُ رجلًا، وقلتُ: يا مُفلسُ! فأفلستُ بعد أربعين سنة!)، ويقول أحد السلف: (رأيت رجلًا يبكي في صلاته فاتّهمته بالرياء، فحُرمتُ البُكاء سنة).
لا تَهتِكن مِن مساوي الناسِ ما سُتِرا
فيهتِكَ اللهُ سِترًا عن مَسَاوِيكا
واذكُـر مَحاسِن ما فيهِم إِذا ذُكِرُوا
ولا تَعِب أحدًا مِنُم بِما فِيكا
ومن أراد السعادة فعليه بمعالجة عيوب نفسه، وما عليه من عيوب الناس، فمن عاب غيره زاد لعيوبه عيبًا، يقول (ابن القيّم) رحمه الله: (من علامة الشقاوة، نسيان عيوب النفس، والتفرغ لعيوب الناس).